يوضح النبي -صلى الله عليه وسلم- مبلغ هذه الكثرة فيقول في الحديث الذي رواه ابن عباس -رضي الله عنهما-: "عرضت علي الأمم، فجعل النبي والنبيان يمرون معهم الرهط(١)، والنبي ليس معه أحد، حتى رفع لي سواد عظيم، قلت: ما هذا؟ أمتي هذه؟ قيل: بل هذا موسى وقومه، قيل: انظر إلى الأفق، فإذا سواد يملأ الأفق، ثم قيل لي: انظر هاهنا، وهاهنا – في آفاق السماء- فإذا سواد قد ملأ الأفق، وقيل: هذه أمتك، ويدخل الجنة من هؤلاء سبعون ألف بغير حساب"(٢).
وهذه النصوص صريحة في بيان أن المؤمنين المتبعين للنبي -صلى الله عليه وسلم- من هذه الأمة، أكثر من المتبعين لأي نبي من الأنبياء من الأمم السابقة، فهذه الأمة أقرب الأمم إلى الحق واعتناقه، وهذه علامة الخير والرشد، وبذلك كانت (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) لكون المؤمنين والمهتدين منها أكثر منهم في الأمم قبلها.
الوجه الخامس: كونها لا تجتمع على ضلالة:
وذلك أنها أمة ورثت الرسل في القيام بهداية البشر ودعوتها إلى ما دعا إليه سائر الرسل من الإيمان بالله وعبادته وحده، فهي ذات رسالة تبلغها، وتستمر في إبلاغها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولذلك ما كان لهذه الأمة أن تضل عن مهمتها ورسالتها مهما طال عليها الأمد، وامتد بها الأجل لأنها إن ضلت هي فلن يهتدي أحد، لانقطاع الوحي والرسالة.

(١) الرهط: عدد يجمع من ثلاثة إلى عشرة، انظر: لسان العرب (٧/٣٠٥) مادة (رهط).
(٢) أخرجه البخاري: كتاب الطب، باب من اكتوى، أو كوي غيره، وفضل من لم يكتو (١٠/١٥٥) رقم الحديث (٥٧٠٥).


الصفحة التالية
Icon