وقد يضل بعض أفرادها وطوائفها عن الحق، بل قد يكفر ويلحد وينافق طوائف منها ولكنها لا تجمع ولا تجتمع على ذلك أبدًا، بذلك أخبرنا الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-، فقال فيما رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه-: "إن الله قد أجار أمتي أن تجتمع على ضلالة"(١).
بخلاف من قبلها من الأمم، فإنه كان الحق يغلب فيهم حتى لا تقوم به طائفة منهم، فهؤلاء أهل الكتاب، اليهود منهم والنصارى، اندثر الحق والدين الصحيح بينهم وانقرضت الفرقة التي كانت على الحق أو انحرفت، وأصبحت فرقهم كلها على ضلال وكفر وشك، فهاهم بسائر فرقهم وطوائفهم قد أجمعوا على الضلالة والكفر وأعرضوا عما جاء به الإسلام من الحق فليس منهم رجل رشيد.
أما هذه الأمة فإنها والحمد لله لا تجتمع على ضلالة أبدًا، بل لا بد أن تبقى طائفة منها على الدين الصحيح ظاهرة قائمة به، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون"(٢). وفي رواية أخرى: "لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة"(٣).
فأمة تثبت على الهدى والتوحيد، ولا يذهب فيها نور النبوة والقرآن؛ بل لا يزال مشتعلا مضيئا في يدها تحمله جيلا بعد جيل إلى أن تلقى الله به آخر طائفة منها، لا شك أنها خير الأمم التي عرفتها البشرية، بما لم توغل كما أوغل الكثير من الأمم قبلها في الكفر والضلالة، وبما يبقى فيها من الخير والهدى ما لم يبق في غيرها من الأمم(٤).
(٢) صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالسنة، باب لا تزال طائفة (٧/١٨٩)، الحديث رقم (٧٣١١). أخرجه ابن ماجة: المقدمة، باب اتباع سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (١/٦ رقم الحديث ١٠).
(٣) المرجع السابق.
(٤) انظر: وسطية أهل السنة بين الفرق (٢١٩).