يقول -صلى الله عليه وسلم-: "أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة"؟ قلنا: نعم. قال: "أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة"؟ قلنا: نعم. قال: "أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة؟" قلنا: نعم. قال: "والذي نفس محمد بيده، إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة، وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر"(١)، وبذلك اتضحت لنا أوجه الخيرية لهذه الأمة، وبينا معنى من معاني الوسطية ألا وهو الخيرية.
الفصل الثاني العدل
المبحث الأول
أقوال المفسرين في (أمة وسطا)
أما العدل فقد صح فيه الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث فسر قوله تعالى: (أُمَّةً وَسَطًا) [البقرة: ١٤٣]، بقوله: عدولا، وذلك في الحديث الذي رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري، حيث قال -رضي الله عنه-: "الوسط العدل"(٢)، وفي رواية الطبري: قال: (أُمَّةً وَسَطًا) عدولا(٣).
وقال القرطبي -رحمه الله-: : الوسط: العدل، وأصل هذا أن أحمد الأشياء أوسطها، ثم قال: قال علماؤنا: أنبأنا ربنا تبارك و تعالى في كتابه بما أنعم علينا من تفضيله لنا باسم العدالة، وتولية الشهادة على جميع خلقه فجعلنا أولا مكانا، وكنا آخرًا زمانا كما قال –عليه السلام-: "نحن الآخرون والأولون"(٤)، وهذا دليل على أنه لا يشهد إلا العدول، ولا ينفذ قول الغير على الغير إلا أن يكون عدلا"(٥).

(١) أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب كيف الحشر (١١/٣٧٨) رقم الحديث (٦٥٢٨).
(٢) رواه البخاري، كتاب التفسير، باب قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) (٥/١٧٧) رقم (٤٤٨٧).
(٣) تفسير الطبري (٢/٦).
(٤) مسلم كتاب الجمعة، باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة (٢/٥٨٥ رقم الحديث ٨٥٥).
(٥) انظر: تفسير القرطبي (٢/١٥٥).


الصفحة التالية
Icon