ومما يدل على أن العدل من ملامح الوسطية قول الطبري -رحمه الله-: وأما التأويل فإنه جاء بأن الوسط العدل، وذلك معنى الخيار، لأن الخيار من الناس عدولهم(١) ثم ساق الأدلة من السنة وأقوال السلف في ذلك.
المبحث الثاني
وجوب العدل على هذه الأمة وصور من قيامها به
العدل من الأسس والقيم التي جاءت بها جميع الشرائع السماوية، فأنزل الله به كتبه، وأرسل به رسله، (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) [الحديد: ٢٥]، أي العدل، فما من كتاب أنزل ولا رسول إلا أمر أمته بالعدل، وأوجبه عليها، والأمم بين طائع آخذ منه بنصيب، وحائد مائل عن العدل والقسط بجهل أو هوى، والرسل ما تزال تجدد ما نسيته الأجيال، وتذكر الناس بما نسوا إلى أن ختمت الرسالات بخاتم الأنبياء محمد -صلى الله عليه وسلم-. ولما كانت هذه الرسالة المحمدية خاتمة الرسالات، والنبي -صلى الله عليه وسلم- خاتم الأنبياء والرسل، وهذه الأمة خاتمة الأمم، والأمة التي جعلها الله شاهدة على الناس وقيمة على البشرية، تبلغها دين الله، وتشهد لها بالإيمان أو عليها بالكفر والعصيان: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) فقد كان العدل من أهم ما يجب على هذه الأمة، بل ه و من أعظم ما يميزها عن الأمم، ولم يكتف الحق تبارك وتعالى بإيجاب العدل على هذه الأمة، بل أراد منها أن تجعله خلقا من أخلاقها، وصفة من صفاتها، وصبغة تصطبغ بها من دون الناس، فأمرها أن تكون قائمة بالعدل، بل قوامة به بين الناس لله –عز وجل- لا لأي شيء آخر فلا تحابي فيه قريبا لقرابته ولا تضار عدوا لعداوته: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا