هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المائدة: ٨].
قال الإمام ابن جرير في تفسير هذه الآية: (يعني بذلك جل ثناؤه: يا أيها الذين آمنوا بالله، وبرسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- ليكن من أخلاقكم وصفاتكم القيام لله شهداء بالعدل، في أوليائكم وأعدائكم، ولا تجوروا في أحكامكم وأفعالكم فتجاوزوا ما حددت لكم في أعدائكم لعداوتهم ولا تقصروا فيما حددت لكم من أحكامي، وحدودي في أوليائكم لولايته من لكم، ولكن انتهوا في جميعهم إلى حدي واعملوا فيه بأمري)(١).
وقال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: (أي: كونوا قائمين بالحق لله –عز وجل- لا لأجل الناس والسمعة، وكونوا شهداء بالقسط، أي بالعدل لا بالجور (لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) أي لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل فيهم، بل استعملوا العدل في كل أحد، صديقا كان أو عدوا)(٢) وقال في موضع آخر: (أي: لا يحملنكم بغض أقوام على ترك العدل، فإن العدل واجب على كل أحد في كل أحد في كل حال)(٣).
فالعدل الذي أمرت به هذه الأمة، حق عام لكل أحد من الناس، لا يحجبه عن مستحقه شنآن ولا عداوة، ولا يحول دونه اختلاف لون لا جنس ولا دين: (إِنَّ اللهَ يَأمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) [النساء: ٥٨].

(١) تفسير الطبري (١٠/٩٥).
(٢) تفسير القرآن العظيم (٣/٥٨).
(٣) انظر: نفس المصدر.


الصفحة التالية
Icon