لم يكن العدل في حياة هذه الأمة المحمدية الخاتمة مجرد مثل عليا، أو وصايا تفخر بها دون ممارسة أو تطبيق، ولكنه كان واقعا عاشته هذه الأمة ومارسته، وطبقته في واقع حياتها، على مر تاريخها الطويل، على تفاوت في ذلك التطبيق بين زمان وزمان، ودولة ودولة، وحسب اشتعال جذوة الإيمان في قلوب الحاكمين وخبوئها، غير أن ما يقطع به أنه لم يخل زمان ممن يقيم الحق والعدل، ويقوم بالقسط ويحكم به من هذه الأمة.
وحسبنا أن نذكر فيما يلي صورًا من عدل هذه الأمة فيما بينها، ومع أعدائها وخصومها، وأهل ذمتها وسنختار هذه الصور من واقع الأمة من خلال تاريخها الطويل، ليعلم أن هذه الأمة لم تزل قائمة بالقسط بين الناس شاهدة به على الناس لله، وأنها جديرة بأن تكون الأمة الوسط الشاهدة على البشرية، وأولى هذه الصور نعيشها مع سيد الخلق وإمام العالمين نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- إمام هذه الأمة ومعلمها الخير، وهو يضرب أروع الأمثلة ويلقن أمته أبلغ دروس العدل والإنصاف والمساواة(١).