وجاء يهودي يشتكي إليه أحد أصحابه قائلا: (يا محمد: إن لي على هذا أربعة دراهم وقد غلبني عليها، قال: "أعطه حقه"، قال: والذي نفسي بيده، ما أقدر عليها، قد أخبرته أنك تبعثنا إلى خيبر فأرجو أن تغنمنا شيئا فأجع فأقضيه، قال: "أعطه حقه". وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قال ثلاثًا لم يراجع...)(١).
وكان -صلى الله عليه وسلم- يقيم حدود الله على من وجب عليه ذلك في عدل وإنصاف لا تأخذه في ذلك لومة لائم ولا قرابة قريب ولا مكانة شريف، فها هو -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق البار في قسمه يقول: لو أن ابنته سرقت لأقام عليها الحد، لا يدفعه عنها كونها ابنة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
وأخرج الإمام البخاري عن عائشة -رضي الله عنها-: (أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم رسول الله ومن يجترئ عليها إلا أسامة فقال: "أتشفع في حد من حدود الله؟" ثم قام: فخطب فقال: "يا أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد، وأيم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها"(٢).
فإن قيل: هذا محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وليس غريبا منه هذا العدل، ومن يعدل إن لم يعدل هو؟
(٢) أخرجه البخاري، كتاب الحدود، باب كراهية الشفاعة إذا رفع إلى السلطان (١٢/٨٧)، رقم الحديث (٦٧٨٨).