قلنا: وهذا رجل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يهتدي بهدى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيقيم العدل والقسط بين الناس يحكم بالحق لرجل يهودي على مسلم، ولم يحمله كفر اليهودي على ظلمه والحيف عليه، أخرج الإمام مالك(١) من طريق سعيد بن المسيب: (أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- اختصم إليه مسلم ويهودي، فرأى عمر أن الحق لليهودي فقضى له، فقال له اليهودي: والله لقد قضيت بالحق...)(٢).
وكان -رضي الله عنه- يأمر عماله أن يوافوه بالمواسم، فإذا اجتمعوا قال: أيها الناس إني لم أبعث عمالي عليكم ليصيبوا من أبشاركم، ولا من أموالكم، إنما بعثتهم ليحجزوا بينكم، وليقسموا فيئكم بينكم، فمن فعل به غير ذلك فليقم، فما قام أحد إلا رجل واحد قام فقال: يا أمير المؤمنين إن عاملك فلانا ضربني مائة سوط، قال: فيم ضربته؟ قم فاقتضي منه، فقام عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين إنك إن فعلت هذا يكثر عليك ويكون سنة يأخذ بها من بعدك، فقال: أنا لا أقيد، وقد رأيت رسول الله يقيد من نفسه، قال: فدعنا فلنرضه، قال: دونكم فارضوه، فافتدي منه بمائتي دينار كل سوط بدينارين(٣). وإن لم يرضوه لأقاده(٤) -رضي الله عنه-.

(١) هو الإمام مالك بن أنس بن أبي عامر بن عمرو، إمام دار الهجرة، ولد عام (٩٣هـ) عام موت أنس بن مالك بن النضر، خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وطلب العلم بصدق وإخلاص، فكان أحد الأئمة الأربعة فنفع الله به المسلمين وتوفى ١٧٩هـ، انظر: سير أعلام النبلاء (٨/٤٩-١٣٥).
(٢) الموطأ: كتاب الأقضية، باب الترغيب في القضاء بالحق، (٧١٩) رقم الحديث (٢).
(٣) الطبقات الكبرى، لابن سعد (٣/٢٩٣-٢٩٤).
(٤) أقاده: اقتص منه.


الصفحة التالية
Icon