وجاء رجل من أهل مصر يشكو ابن عمرو بن العاص واليه على مصر قائلا: (يا أمير المؤمنين عائذ بك من الظلم، قال: عذت معاذًا قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط ويقول: أتسبقني وأنا ابن الأكرمين؟
فكتب عمر إلى عمرو -رضي الله عنه- يأمره القدوم ويقدم بابنه معه، فقدم فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر: اضرب ابن الأكرمين، قال أنس: فضرب، فوالله، لقد ضربه ونحن نحب ضربه، فما رفع عنه حتى تمنينا أن يرفع عنه، ثم قال عمر للمصري: اصنع على صلعة عمرو، فقال: يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربني وقد اشتفيت منه، فقال عمر لعمرو: منذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟! قال: يا أمير المؤمنين لم أعلم ولم يأتني(١).
فانظر إلى هذه المواقف الرائعة لعدالة هذه الأمة، رجل من عامة لاناس وفي رواية أنه ذمي من أقباط مصر، يتظلم فيعطى حقه ويقاد من ابن الأمير يجاء به وبأبيه ليعطي الرجل حقه وينصف، ثم انظر إلى الحاضرين من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كيف أحبوا ذلك وأيدوه (فوالله، لقد ضربه ونحن نحب ضربه) لا تشفيا منه ولا شماتة بعمرو وابنه، فالقوم فوق ذلك وأبعد ما يكونون عن التشفي والشماتة، ولكنهم جيل أحب العدل وعاشه وتربى عليه على يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لذلك فهو يبغض الجور ولا يحب رؤيته في الأمة ولو كان رجلا مخالفا لها في عقيدتها ودينها وشرعها، ويفرح أشد الفرح لرؤية العدالة ترمي بجذورها في أعماق الأمة ليؤخذ حق ضعفائها وأتباعها من أقويائها(٢).
فإن قيل: هذا الخليفة الثاني أمير المؤمنين عمر الفاروق ومثله خليق بإقامة العدل في رعيته!
(٢) انظر: وسطية أهل السنة بين الفرق (١٧٠).