إذا أيقن العبد أن الله تعالى فوق السماء، عال على عرشه بلا حصر ولا كيفية، وأنه الآن في صفاته كما كان في قدمه، كان لقلبه في صلاته وتوجهه ودعائه.
ومن لا يعرف ربه بأنه فوق السماء على عرشه، فإنه يبقى ضائعا لا يعرف وجهة معبوده، ولكن ربما عرفه بسمعه، ، بصره وقدمه وتلك بلا هذا معرفة ناقصة، بخلاف من عرف أن إلهه الذي يعبده فوق الأشياء، فإذا دخل في الصلاة وكبر وتوجه قلبه إلى جهة العرش منزها له تعالى، مفردًا له كما أفرده في قدمه وألوهيته واعتقد أن في علوه قريب من خلقه، وهو معهم بعلمه وسمعه وبصره وإحاطته وقدرته ومشيئته وذاته فوق الأشياء وفوق العرش، ومتى شعر قلبه بذلك في الصلاة أشرق قلبه واستنار وأضاء بأنوار المعرفة والإيمان، وعكفت أشعة العظمة على قلبه وروحه ونفسه، فانشرح لذلك صدره، وقوى إيمانه، ونزه ربه عن صفات خلقه من الحصر والحلول، وذاق حينئذ شيئا من أذواق السابقين المقربين(١).
أثر صفة السمع:
قال تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُما إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) [المجادلة: ١].
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (الحمد لله وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- تكلمه وأنا في ناحية البيت، ما أسمع ما تقول، فأنزل الله -عز وجل-: (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا)(٢).

(١) انظر: النصيحة في صفة الرب جل وعلا للوسط (٥٠).
(٢) البخاري مع الفتح، كتاب التوحيد، باب وكان الله سميعا بصيرا، (١٣/٣٨٤).


الصفحة التالية
Icon