أقول: لو أن دارس الأسماء والصفات ومدرسيها تأملوا ما دلت عليه هذه الصفات، وأشعر المرء نفسه أنه مراقب في جميع أحواله وان ما ينطلق به لسانه يسمعه خالقه من فوق سبع سماوات في حينه وأنه سيجازيه على ذلك لانعكس على سلوكه وأخلاقه وأعماله وسيرته في مجتمعه، ولظهرت الأخلاق الربانية وأصبح الشخص لله وليا يمشى على وجه الأرض، ولشعرنا أن الأخلاق الرفيعة ثمرة من ثمرات التوحيد، وبقدر ما يملك العبد من الإيمان والتوحيد ينعكس ذلك ويظهر على أخلاقه.
ولابد أن نراعي قواعد السلف عند تأملنا وتفكرنا في أسماء الله وصفاته التي تزيدنا إيمانا بالله العلي العظيم، ويعجبني في هذا المقام أن أكتب ما كان يقوله ويكرره شيخي الفاضل عبد المحسن العباد في دروسه بالمدينة النبوية (المذهب الحق وسط بين الطرفين في قضية الإثبات، فلا نفي ولا تأويل، وفيه التنزيه فلا تشبيه ولا تمثيل، وكل من المشبهة النفاة جمعوا بين إساءة وإحسان).
فالمشبهة: أحسنوا إذا أثبتوا فلم ينفوا الصفات، وأساؤوا إذا شبهوا ومثلوا، وأهل السنة والجماعة جمعوا بين الحسنيين وسلموا من الإساءتين، فالإحسان الذي عند الطرفين عندهم، وليس عندهم ما عند كل من الإساءة وذلك أنهم أثبتوا ما أثبت في الكتاب والسنة من الصفات، ونزهوا الله عن مشابهة خلقه، وكما قال تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى: ١١]، فأول الآية تنزيه وآخرها إثبات، فمثل هذا المذهب الحق بالنسبة إلى الطرفين المتقابلين كاللبن السائغ للشاربين الذي يخرج من بين فرث ودم(١).
ثانيا: تدبر القرآن على وجه العموم:

(١) عشرون حديثا من صحيح مسلم، لعبد المحسن العباد (١٧٧-١٧٨).


الصفحة التالية
Icon