وأقسم تعالى بكمال هذا الرسول وعظمة أخلاقه، وأنه أكمل مخلوق بقوله: (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ *وَإِنَّ لَكَ لأجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ *وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: ١-٤]، فهو -صلى الله عليه وسلم- أكبر داع للإيمان في أوصاف الحميدة، وشمائله الجميلة، وأقواله الصادقة النافعة، وأفعاله الرشيدة فهو الإمام الأعظم، والقدوة الأكمل: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب: ٢١]، (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)[الحشر: ٧].
وقد ذكر الله عن أولى الألباب الذين هم خواص الخلق أنهم قالوا: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا) [وهو هذا الرسول الكريم (يُنَادِي لِلإِيمَانِ ) بقوله وخلقه وعمله ودينه، وجميع أحواله (أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ) [آل عمران: ١٩٣]، أي: إيمان لا يدخله ريب.
ولما كان هذا الإيمان من أعظم ما يقرب العبد إلى الله، ومن أعظم الوسائل التي يحبها الله –توسلوا بإيمانهم أن يكفر عنهم السيئات وينيلهم المطالب العالية، فقالوا: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ) [آل عمران: ١٩٣].
ولهذا كان الرجل المنصف –الذي ليس له إرادة إلا اتباع الحق مجرد ما يراه ويسمع كلامه- يبادر إلى الإيمان به -صلى الله عليه وسلم- ولا يرتاب في رسالته بل كثير منهم- مجرد ما يري وجهه الكريم- يعرف أنه ليس بوجه كذاب وقيل لبعضهم: (لم بادرت إلى الإيمان بمحمد قبل أن تعرف رسالته؟ فقال: ما أمر بشيء، فقال العقل، ليته نهي عنه ولا نهي عن شيء فقال العقل ليته أمر به)(١).

(١) التوضيح والبيان (٤٩).


الصفحة التالية
Icon