وقال رجاء بن حيوة(١): (قومت ثياب عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- وهو يخطب باثني عشر دوهما، وكانت قباء وعمامة وقميصا وسراويل ورداء وخفين وقلنسوة)(٢).
روح التواضع الانقياد للحق: إن روح التواضع هي أن ينقاد العبد لصولة الحق، ويخضع له، ولا يتعالى عليه، وفسر النبي -صلى الله عليه وسلم- الكبرى بضده فقال: "الكبر بطر الحق وغمط الناس"(٣).
فبطر الحق: رده وجحده، وغمط الناس: احتقارهم وازدأؤهم، ومتى احتقرهم، وازدرأهم: دفع حقوقهم، وجحدهم واستهان بها.
وركن التواضع الأهم: التواضع للدين، وهو أن لا يعارض بمعقول منقولا، ولا يتهم للدين دليلا، ولا يرى إلى الخلاف سبيلا(٤).
ولا يصح لعبد خلق التواضع حتى يقبل الحق ممن يحب وممن يبغض، فيقبله من عدوه كما يقبله من وليه، وكذلك قبول العذر ممن أساء، فإن خلق التواضع يجعل العبد يقبل المعذرة، حقا كانت أو باطلا، ويكل سريرته إلى الله، كما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المنافقين الذين تخلفوا عنه في الغزو، فلما قدم جاءوا يعتذرون إليه، فقبل أعذارهم، ووكل سرائرهم إلى الله تعالى(٥).
وتمام التواضع: أن لا يرى العابد لنفسه حقا على الله لأجل عمله، فإنه في عبودية وفقر محض، وذل وانكسار، فمتى رأي لنفسه على الله حقا: فسدت عبوديته، وصارت معلولة وخيف منها المقت، فالرب سبانه لا لأحد عليه حق، ولا يضيع لديه سعى كما قال الشاعر:
كلا، ولا سعى لديه ضائع
(٢) تهذيب مدارج السالكين: (٢/٦٨١).
(٣) رواه الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في الكبر (٤/٣١٨ رقم ١٩٩٩).
(٤) تهذيب مدارج السالكين: (٢/٦٨٣).
(٥) انظر: المرجع السابق (٢/٦٨٧).