ومن وسطية القرآن في باب الأخلاق ذم اخلق العجب والغرور، والنهي عنهما، ولذلك تجد المسلم الصادق المخلص يحذر على نفسه وإخوانه من العجب والغرور، ويجتهد أن لا يكونا وصفا له في حالة من الحالات إذ هما من أكبر العوائق عن الكمال، ومن أعظم المهالك، في الحال والمآل، فكم من نعمة انقلبت بهما نقمة، وكم من عز صيراه ذلا، وكم من قوة أحالاها ضعفا، فكفي بهما داء عصالا، وكفى بهما على صاحبهما وبالا، فلذا حذرهما المسلم وخافهما، ولهذا جاء القرآن الكريم بتحريمهما، بالتحذير والتنفير منهما. قال الله تعالى: (وَغَرَّتْكُمُ الأمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) [الحديد: ١٤].
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) [الانفطار: ٦].
وقال تعالى: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا) [التوبة: ٢٥].
والأمثلة في ذلك كثيرة منها:
أعجب إبليس –لعنة الله- بحاله، واغتر بنفسه وأصله فقال خلقتني من نار وخلقته من طين؟ فطرده الله من رحمته، ومن أنس حضرة قدسه.
أعجبت عاد بقوتها واغترت بسلطانها وقالوا من أشد منا قوة فأذاقهم الله عذاب الخزي في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
أعجب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حنين بكثرتهم وقالوا: لن نغلب اليوم من قلة: فأصيبوا بهزيمة مريرة حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ثم ولوا مدبرين(١).
ومظاهر الغرور والعجب كثيرة ومتنوعة منها:
العلم: قد يعجب المرء بعلمه، ويغتر بكثرة معارفه فيحمله ذلك على عدم الاستزادة، وعلى ترك الاستفادة، أو يحمله على احتقار غيره من أهل العلم، واستصغار سواه وكفى بها هلاكا له.
في المال: قد يعجب المرء بوفرة ماله، ويغتر بكثرة عرضه فيبذر ويسرف، ويتعالى على الخلق، ويغمط الحق فيهلك.