في القوة: قد يعجب المرء بقوته ويغتر بعزة سلطانه فيعتدي ويظلم، ويقامر ويخاطر، فيكون في ذلك هلاكه ووباله.
في الشرف: قد يعجب المرء بشرفه ويغتر بنسبه وأصله فيقعد عن اكتساب المعالي، ويضعف عن طلب الكمالات فيبطئ به عمله، ولم يسرع به نسبه، فيحقر، ويصغر، ويذل، ويهون.
في العبادة: قد يعجب المرء بعمله، ويغتر بكثرة طاعته، فيحمله ذلك على الإدلال على ربه، والامتنان على منعمه، فيحبط عمله، ويهلك بعجبه، ويشقي باغتراره، وعلاج هذا الداء في ذكر الله تعالى وعلم العبد بأن ما أعطاه الله اليوم من علم، أو مال، أو قوة عزة، أو شرف قد يسلبه غدا لو شاء ذلك، وأن طاعة العبد للرب مهما كثرت لا تساوى بعض ما أنعم الله على عبده، وأن الله تعالى لا يدل عليه بشيء، إذ هو مصدر كل فضل، وواهب كل خير(١)....
قال تعالى: (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ) [لقمان: ٢٠].
وبهذا نكتفي بضرب الأمثلة في الأخلاق السيئة، وبيان أن الله نهى عنها في كتابه وأمر الناس بالابتعاد عنها، وما بينته باختصار موجز على سبيل المثال لا على سبيل الحصر.
إن وسطية القرآن في باب الأخلاق تتضح في ذمه وتحقيره وتنفيره من الأخلاق السيئة وسلط على هذه الأخلاق السيئة قوى النفس والاعتقاد وأطلق عليها أيضا قوى الأمة والسلطة لمطاردة الأخلاق السيئة ومنعها بالحكمة والموعظة الحسنة وبقوة السلطان الذي خوله الله صلاحيات في ذلك للقضاء على كل خلق ذميم، من خيانة، وغدر، واستبداد، ولم وكذب، وشهادة زور، وإسراف، وفحش، وكبر وغرور، وفخر ورياء، وبطر، وهمز ولمز وبخل... إلخ(٢).

(١) منهاج المسلم (٢٤٥).
(٢) منهاج المسلم لأبي بكر الجزائري (٢٤٤).


الصفحة التالية
Icon