إن المرء ليعجب من وسطية القرآن في باب الأخلاق كيف ضم القرآن كل هذه الأخلاق من حسنها وقبيحها، وكيف رغب في حسنها ورهب في قبيحها على وجه من التفصيل وكأن غرضه الوحيد هو هذا الباب من كثرة ما أبرزها، وصرف فيها القول، وضرب فيها الأمثال.
الفصل الثالث
وسطية القرآن في التشريع
المبحث الأول
معني الشرع في اللغة والاصطلاح
أ- في اللغة:
الشرع مصدر شرع بالتخفيف، والتشريع مصدر شرع بالتشديد، والشريعة في أصل الاستعمال اللغوي: مورد الماء الذي يقصد للشرب(١)، ثم استعمالها العرب ي الطريقة المستقيمة، وذلك باعتبار أن مورد الماء سبيل الحياة والسلامة للأبدان، وكذلك الشأن من الطريقة المستقيمة، التي تهدي الناس إلى الخير، فيها حياة نفوسهم، وري عقولهم: قال تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأمْرِ فَاتَّبِعْهَا ) [الجاثية: ١٨]، ويقال: (شرعت الإبل) إذا وردت شريعة الماء و(شرع له الأمر) بمعنى سنة وبين طريقته، قال تعالى: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا) [الشورى: ١٣]، وقال: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللهُ ) [الشورى: ٢١].
قال صاح القاموس: الشريعة ما شرعه الله لعباده(٢).
وقال بعضهم: سميت الشريعة شريعة: تشبيها بشريعة الماء من حيث إن من شرع فيها على الحقيقة المصدوقة روى وتطهر.
ب- في الإصطلاح:
ما شرعه الله لعباده من العقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات ونظم الحياة في شعبها المختلفة، لتحقيق سعادتهم في الدنيا والآخرة(٣).
(٢) المرجع السابق، (٩٤٦).
(٣) التشريع والفقه الإسلامي مناع القطان، (١٥).