فشريعة الله هي المنهج الحق المستقيم، الذي يصون الإنسانية من الزيغ والانحراف، ويجنبها مزالق الشر، ونوازع الهوى، وهي المورد العذب الذي يشفي غلتها، ويحيي نفوسها، وترتوي به عقولها، ولهذا كانت الغاية من تشريع الله استقامة الإنسان على الجادة لينال عز الدنيا وسعادة الآخرة.
والشريعة بهذا المعنى خاصة بما ورد الله تعالى، وبلغه رسله لعباده، والله هو الشارع الأول، وأحكامه هي التي تسمى شرعا، فلا يجوز إطلاق هذا على القوانين الوضعية، لأنها صنع البشر، وقد جرى عرف كثير من الكتاب على تسمي القوانين الوضعية بالتشريع الوضعي، وتسمية الوحي الإلهي بالتشريع السماوي، والحق أن الشرع أو الشريعة لا يجوز إطلاقها إلا على الطريقة الإلهية دون سواها من طرائق الناس وأنظمتهم(١).
المبحث الثاني
وسطية القرآن في التشريع والتكليف
سبق أن ذكرت أن ملامح الوسطية اليسر ورفع الحرج، هذا أمر قرره القرآن في أكثر من موضع، قال تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج: ٧٨]، قال تعالى: (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) [البقرة: ١٨٥]، وقال تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ) [البقرة: ٢٨٦].
وسأجعل الحديث عن تقرير القرآن لمنهج الوسطية في التشريع والتكاليف في فقرات متتالية ليسهل فهم القضية واستيعابها: