وكل ذلك ساقه الله في كتابه لبيان ما امتن به على هذه الأمة من التخفيف، والتيسير والتسهيل، ونعت نبيه -صلى الله عليه وسلم- بأنه: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) [الأعراف: ١٥٧].
وقد ذكر علماؤنا رحمهم الله شيئا من الآثار والأغلال التي كانت على من قبلنا، منها: قطع موضع النجاسة من الثوب أو منه ومن البدن، وإحراق الغنائم، وتحريم السبت، وقطع الأعضاء الخاطئة، وتعين القصاص في العمد والخطأ من غير شرع الدية، وأمروا بقتل أنفسهم علامة على التوبة، وطلب منهم أداء ربع المال في الزكاة، وعدم جواز الصلاة إلا في البيعة، وحرمة الجماع في أيام الصوم بعد العتمة والنوم، وحرمة الطعام بعد النوم، وعدم التطهير بالتيمم، وكتابة ذنب الليل بالصبح على الباب(١).
ومما سبق يتضح دلالة آيتي البقرة والأعراف على تقرير منهج الوسطية في التشريع والتكليف.
٢- وردت آيات كثيرة تبين أن الله لا يكلف نفسا فوق طاقتها، ولا يكلف نفسا إلا وسعها وقدرتها، قال تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) [البقرة: ٢٨٦].
وقال تعالى: (وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) ]المؤمنون: ٦٢].
وعلى الرغم من قوله تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) [البقرة: ٢٨٦]. ظاهر الدلالة على عدم التكليف إلا في حدود القدرة والميسرة، إلا أن الله –سبحانه وتعالى- قد عقب هذه الجملة بدعاء على لسان عباده المؤمنين، يبين فيه ما امتن به عليهم من عدم المؤاخذة بالخطأ والنسيان، وحط الآصار والأغلال وعدم التكليف بما لا يطاق، وقد انتظم ذلك في ثلاثة أمور: