وقال رشيد رضا في تفسير قوله تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) ولا يحاسبها إلا على ما كلفها، والتكليف هو الإلزام بما فيه كلفة، والوسع ما تسعه قدرة الإنسان من غير حرج ولا عسر، وقال بعضهم: هو ما يهل عليه من الأمور المقدور عليها، وهو ما دون مدى طاقته، والمعنى: أن شأنه تعالى وسنته في شرع الدين ألا يكلف عباده ما لا يطيقون(١).
وخلاصة القول: أن هذه الآيات تقرر منهج الوسطية في التكليف، فهناك أوامر ونواهي، ولكنها في حدود الوسع، وعدم المشقة، وليس فيها تضييق وعسر وإحراج.
٣- ومما يؤكد ويقرر منهج الوسطية في التشريع والتكليف الآيات التي وردت برفع الحرج كقوله تعالى: (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ و) (مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ) [المائدة: ٦].
وقوله تعالى: (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج: ٧٨].
وقوله: (مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللهُ لَهُ) [الأحزاب: ٣٨].
ومثل ذلك الآيات التي جاءت تنفي الحرج عن فئة معينة، كقوله في سورة الفتح: (لَيْسَ عَلَى الأعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ) [الفتح: ١٧].
وبعد أن بين سبحانه جواز الزواج من زوجة الابن المتبني حيث زواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من زينب(٢)

(١) انظر: تفسير المنار (٣/١٤٥).
(٢) هي زينب بنت جحش ابنة عمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زوجها الله لنبيه من غير ولي ولا شاهد، وكانت أسرع أمهات المؤمنين لحوقا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته، وكانت من سادات النساء دينا وورعا وجودًا ومعرفة.
انظر سير أعلام النبلاء (٢/٢١١).


الصفحة التالية
Icon