قال ابن كثير في قوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج: ٧٨]، أي: ما كلفكم ما لا تطيقون، وما ألزمكم بشيء يشق عليكم إلا جعل الله لكم فرجا ومخرجا، ولهذا قال -عليه السلام- "بعثت بالحنفية السمحة" وقال لمعاذ وأبي موسى(١) -رضي الله عنهما- حين بعثهما أميرين إلى اليمن: "بشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا"(٢).
والأحاديث في هذا كثيرة، ولهذا قال ابن عباس في قوله: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج: ٧٨]، يعني من ضيق(٣).
وقد اتضح لنا مما سبق أن آيات رفع الحرج دليل واضح وبرهان قاطع على وسطية هذا الدين في تشريعه وتكاليفه.
٤- نواصل ذكر الأدلة من القرآن الكريم في باب التشريع والتكليف التي تقرر منهج الوسطية، وأنه سمة هذا الدين، وسر من أسرار عظمته وهذه الآيات هي آيات التخفيف والتيسير قال سبحانه وتعالى: (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) [البقرة: ١٨٥]، وقال جل في علاه: (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى) [الأعلى: ٨]، وقال: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا *إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) [الانشراح: ٥-٦]، وقوله: (يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا) [النساء: ٢٨].

(١) هو عبد الله بن قيس بن سليم الأشعري اليماني، خرج من اليمن قاصدا االنبي -صلى الله عليه وسلم- فألقتهم الريح بأرض الحبش، فوافقوا جعفر بن أبي طالب والصحابة فعادوا معا إلى المدينة، استعمله النبي -صلى الله عليه وسلم- على زبيد وعدن، وعمر على الكوفة، مات سنة (٤٢هـ) انظر: تهذيب التهذيب (٥/٣٦٢).
(٢) أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب بعبث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن (٥/١٢٦).
(٣) انظر: تفسير ابن كثير (٣/٢٣٦).


الصفحة التالية
Icon