فهذه الآيات تبين أن الله أراد بهذه الأمة اليسر والتخفيف، ونفى إرادة العسر والمشقة، وهذه الآيات وإن كان بعضها ورد في سياق قضية خاصة، كالآية الأولى وردت في شأن الرخصة في الصيام إلا أن المراد منها العموم، كما صرح بذلك غير واحد من المفسرين، وقد صرح كثير من المفسرين في الآيات السابقة أن المراد عموم التخفيف في الشريعة، وإرادة التيسير ورفع المشقة(١).
قال ابن كثير -رحمه الله-: في قوله: (يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا) [النساء: ٢٨]، أي: في شرائعه، وأوامره، ونواهيه، وما يقدره لكم)(٢).
قال مجاهد -رحمه الله-: أي في نكاح الأمة وفي كل شيء فيه يسر)(٣).
ومن هنا نخلص إلى أن آيات التيسير والتخفيف جاءت لإرساء قواعد هذا الدين وعالميته، وإليك بعض الأدلة التي تؤكد وسطية هذا الدين في باب التشريع والتكليف.
المبحث الثالث
وسطية القرآن في تعدد الزوجات
من نماذج الوسطية في باب التشريع تعدد الزوجات حيث وسط بين إفراط وتفريط، وكان المجوس وعبدة البقر والمشركين من العرب قبل الإسلام، يتزوجون كل منهم بمئات النساء، وأما أهل الكتاب فكانوا لا يسمحون للرجل بأكثر من زوجة، فجاء الإسلام وقيد الزواج بأربع نسوة واشترط في ذلك العدل(٤) والمقصود العدل المستطاع.
التعدد في الصين:
(٢) انظر: تفسير ابن كثير (١/٤٧٩) والقاسمي (٥/١٢٠١).
(٣) انظر: تفسير الطبري (٥/٣٠).
(٤) انظر الوسطية في الإسلام، للدكتور محمد عبد اللطيف، (١٠٨).