ليس في الإنجيل قول صريح بتحريم تعدد الزوجات، ووجوب الاقتصار على زوجة واحدة، وأخذ نظام الزوجة الواحدة من الدول الأوروبية الوثنية، التي انتشرت فيها المسيحية، والتي تبيح مصاحبة الخليلات، عند شعوب اليونان والرومان، لقد كان تقاليد تلك الدول تحرم تعدد الزوجات، وقد سار أهلها بعد اعتناقهم المسيحية على ما وجدوا عليه العمل في وثنيتهم الأولى(١).
أ- من هدي القرآن للتي هي أقوم تعدد الزوجات:
قضية تعدد الزوجات دلالة واضحة على وسطية القرآن وهديته للتي هي أقوم، ومعلم من معالم الشريعة الغراء في رفع الحرج عن الأمة، وعلامة على اليسر والسماحة في هذا الدين، لقد أتى القرآن الكريم في هذه المسألة بالكمال، وفي كل المسائل ليبرهن بالأدلة المحسوسة على وسطية القرآن في التشريع، وعلى إعجازه في إصدار الأحكام والتكاليف، وحتى لا يشك عاقل في كون القرآن الكريم تنزيل من حميد حكيم.
وإليك ما قاله العلامة محمد الأمين الشنقيطي في هذه المسألة في قوله تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) [الإسراء: ٩] حيث قال: (ومن هدى القرآن للتي هي أقوم، إباحة تعدد الزوجات إلى أربع، وأن الرجل إذا خاف عدم العدل بينهن لزمه الاكتفاء بواحدة، أو ما ملكت يمينه، كما قال تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا ) [النساء: ٣]، ولا شك أن الطريق التي هي أقوم وأعدلها، هي إباحة تعدد الزوجات لأمور محسوسة يعرفها كل العقلاء.