ولذلك يكاد يجمع الباحثون على أن النتيجة التي ترتبت على حمل الإفريقيين على التخلي عن تعدد الزوجات، هي اتجاه متزايدا نحو الانحلال وفساد الأخلاق، فيحدثنا إسكابيرا Schapeva عن أثر محاربة البعثات التبشيرية المسيحية لتعدد الزوجات لدى (الكجاتلا) (أحد قبائل جنوب إفريقية)، (إن عددًا من الأعضاء في الكنيسة يتخذون عشيقات في الخفاء على غير علم من المبشرين.. لاستخدامهن في زيادة أفراد القبيلة...)(١).
ويقول Wetserman: (إن معارضة الكنائس الأوروبية لتعدد الزوجات كانت من بين الأسباب التي دفعت الإفريقيين من جهات متفرقة من القارة إلى الانفصال عن الكنائس الأوروبية، وتكوين كنائس مستقلة تسمح تعاليمها بممارسة تعدد الزوجات)(٢).
ونخلص من هذا الاقتباس بأن هذه الدراسات الحديثة تثبت لنا وسطية القرآن في باب التشريع في مسألة تعدد الزوجات وبيان ضرورته لمجتمعات بأسرها رجالا ونساء لم تعرف أسرارها إلا في هذا القرن إن الله العليم الخبير شرع لعباده دينا قيما يلائم الفطرة، وينظم الحاجات، والمصالح تنظيما كريما شريفا.
ب- التعدد وشروطه في القرآن:
إن إباحة القرآن للتعدد لم تكن ضرورة مقيدة بالعدل المستحيل كما قيل، وإنما هو إباحة عامة تعرض لها الأحكام الشرعية الأخرى، تبعا لظروف صاحبها، وقد شفعه الشارع –مثل كل الأحكام- بوصاياه الخلقية، وضماناته القانونية، التي تجعل منه عند التطبيق مصلحة اجتماعية، ورحمة الناس، وتخفف إلى أقصى الحدود من أضراره الجانبية.
وقد قيده الله تعالى بضوابط وحدود منها:
١- جعل حده الأقصى أربع نسوة كما قال تعالى: (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ) [النساء: ٣]، وكان في الجاهليات بلا حدود.

(١) المرجع السابق (٧٧).
(٢) تعدد الزوجات الشعوب الإفريقية (٨٢).


الصفحة التالية
Icon