وإذا نظرت في سبب نزول هذه الآيات وجدت أن الهدف الأساسي هو رفع الظلم وإزالة الحرج وتيسير الأمور والهداية إلى الصراط المستقيم، فقد ذكر في سبب نزول هذه الآيات أن أهل الجاهلية لم يكن عندهم للطلاق عدد، وكان يطلق الرجل امرأته ما شاء من الطلاق، فإذا كادت تحل راجعها، فعمد رجل لامرأته على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال لها: لا آويك ولا أدعك تحلين، قالت كيف؟ قال: أطلقك فإذا دنا مضى عدتك راجعتك، فشكت ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله تعالى: (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ )(١).
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: كان الرجل يطلق امرأته ثم يراجعها قبل انقضاء عدتها ثم يطلقها، يفعل بها ذلك يضارها ويعضلها فأنزل الله تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ)(٢).
وأخرج البخاري عن معقل بن يسار(٣) -رضي الله عنه- أنه زوج أخته رجلا من المسلمين على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فكانت عنده ما كانت ثم طلقها طليقة لم يراجعها حتى انقضت العدة، فهويها وهويته ثم خطبها مع الخطاب فقال له:
"يا لكع(٤) أكرمتك بها وزوجتك فطلقتها: والله لا ترجع إليك أبدًا قال: فعلم الله حاجته إليها وحاجتها إلى بعلها فأنزل الله: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ) [البقرة: ٢٣٢]، فلما سمعها معقل: قال: سمعا لربي وطاعة ثم دعاه فقال: أزوجك وأكرمك"(٥).
ثانيا: الحكمة من الطلاق:
(٢) جامع البيان للطبري (٢/٤٨٠).
(٣) هو معقل بن يسار المزني البصري -رضي الله عنه- من أهل بيعة الرضوان، مات بالبصرة في آخر خلافة معاوية.
انظر سير أعلام النبلاء (٢/٥٧٦).
(٤) لكع: أي لئيم.
(٥) رواه البخاري، كتاب التفسير، باب (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ) (٥/١٨٩ رقم ٤٥٢٩).