والحكمة من هذا الإجراء أن الزوج لا يقدم على إيقاع الطلقة الثالثة بعد كل ما سبق من محاولات التحكيم، وبعد طلقتين سابقتين اعتدت المرأة بعدهما، إلا بعد استفحال الخصومة بينه وبين زوجته، بحيث أصبح يعتقد أن استمرار حياتهما الزوجية على هذا الشكل، طلاق وافتراق ثم عودة التقاء مرتين متتاليتين، أصبح جحيما لا يطاق، وأنه قرر التخلص نهائيا من هذه الرابطة الزوجية، فأفهمه الشارع أنه حين يوقع الطلقة الثالثة قد بانت عليه بينونة كبرى لا سبيل إلى رجوعها إليه إلا بعد أن تجري الحياة الزوجية مع زوج آخر، ولو أبحنا له أن يعود إلى الزواج منها بعد طلاقها للمرة الثالثة، ثم يعود فيطلقها حين يختلفان، ثم يود فيرجعها حين يتفقان لكان ذلك عبثا في الحياة الزوجية واستمرار لتعاسة الأسرة وشقائها إلى ما لا نهاية، إذن فلا بد من حد يقف عنده الطلاق، وقد قدره الشارع بثلاث تخفيفا لعذاب الزواج والزوجة والأولاد على السواء، وهذه هي أهم مبادئ الطلاق وخطواتهن وهي كما ترى حريصة كل الحرص على أن لا تنقطع الحياة الزوجية لأول خلاف يقع بينهما؛ بل جعلت لهم فرصة يستطيعان فيها إصلاح ما في نفسيهما إن أرادا الإصلاح والعيش معا في حياة هانئة مستقرة(١). وهذا يدل على وسطية القرآن في تشريع أحكام الطلاق قد وضحته السنة وتابعه الصحابة واقتفى أثرهم التابعون بإحسان.
رابعًا: من وسطية القرآن في الطلاق جعله في يد الرجل:

(١) المرأة بين الفقه والقانون، (١٢٥)، إلى (١٢٧).


الصفحة التالية
Icon