وهذا يدل على حكمة العلي الحكيم في تشريعاته الرشيدة، كما يدل على وسطية القرآن وحكمته ووضعه للناس على الصراط المستقيم، ومع هذا فقد راعي الشارع الحكيم أمورًا وظروفا قد تمر بالمرأة لا تستطيع أن تستمر في الحياة الزوجية فجعل من حقها أن تطلق الطلاق أو فسخ النكاح ويسمي هذا في أبواب الفقه: الخلع(١).
ويكون ذلك عن طريق القاضي، وحكمة ذلك: أن المرأة تحكمها العاطفة، والعاطفة إذا سيطرت على الأمور الخطيرة قد تضر ولا تنفع، والطلاق من أخطر الأمور، وقد لوحظ أن النساء اللواتي يملكن حق الطلاق لأنفسهم يسئن استخدام هذا الحق، ويطلقن أنفسهن لأتفه الأمور، ولو أننا جعلنا الطلاق بيد المرأة لكان ذلك ظلم للرجل بضياع ما أنفق في سبيل هذا الزواج من نفقات مالية وإنها لكثيرة فلم يكن للمرأة حق طلب الطلاق إلا من طريق القاضي على شرط أن يقبل الزوج، وتعوضه الزوجة بعض خسارته أو كلها، تلك الخسارة التي تلحق به من جراء الطلاق(٢).
وقد روى البخاري -رحمه الله- عن ابن عباس، أن امرأة ثابت بن قيس(٣) أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقبل الحديقة وطلقها تطليقة"(٤).

(١) الخلع: هو افتداء المرأة من زوجها الكارهة له بمال تدفعه إليه ليتخلى عنها.
(٢) انظر: روح الإسلام (٣٨٠).
(٣) قيل: هي جميلة بنت أبي بن عبد الله بن سلول، وقيل: هي حبيبة بنت سهل، انظر: سير أعلام النبلاء (١/٣١٢).
(٤) رواه البخاري، وكتاب الطلاق، باب الخلع، (٦/٢٠٨ – ٢٠٩ رقم ٥٢٧٣).


الصفحة التالية
Icon