وإذا كانت الشريعة الإسلامية قد قررت حق الطلاق للزوجين من ثلاثة عشر قرنا وأحاطته بهذه الضمانات القوية العادلة، فإن العالم المتحضر لم يعرف هذا الحق، ولم يعترف به إلا في القرن العشرين، بل كان البعض يأخذون على الشريعة أنها جاءت مقررة لحق الطلاق، ثم دار الزمان دورته وجاء عصر العلوم والرقي، وتقدمت الأمم وتفتحت العقول فرأي المفكرون أن تقرير حق الطلاق نعمة على المتزوجين، وأنه الطريق الوحيد للخلاص من الزواج الفاشل، ومن سوء العشرة والآلام النفسية، وأن الطلاق هو الذي يحقق سعادة الزوجين إذا فشل الزواج في تحقيقها، وأنه يحفظ الرجل والمرأة من التعرض للخطاء ووساوس الشيطان(١).
المبحث الخامس
وسطية القرآن في العدة
يعترض سبيل قطع العلاقات الزوجية عقبات يقصد منها الإبقاء على رابطة الزوجية حتى بعد وقوع الخلاف بين الزوجين الذي يؤدي إلى الطلاق.
فكل طلاق تتبعه فترة تريث تسمى العدة، جاء في القرآن: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) [الطلاق: ١].
وفترة التريث تتفاوت في طولها وقصرها تبعا لحالة الزوجة فمن وسطية القرآن جاءت أحكام العدة مفصلة منها:
أولا: عدة الحامل:
وهي وضع الولد: (وَأُولاَتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) [الطلاق: ٤].
ثانيا: عدة المتوفى عنها زوجها (غير الحامل):
أربعة أشهر وعشرة أيام جاء في القرآن: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) [البقرة: ٢٣٤].
ثالثا: عدة المطلقة (غير الحامل) تنقسم إلى قسمين:

(١) انظر: التشريع الجنائي الإسلامي، للدكتور عبد القادر عودة (انظر ١/٤٨).


الصفحة التالية
Icon