يقول سيد قطب -رحمه الله-: (إن هذا النظام في التوريث هو النظام العادل المتناسق مع الفطرة ابتداء، ومع واقعيات الحياة العائلية والإنسانية في كل حال، يبدو هذا واضحا حين نوازنه مع أي نظام آخر، عرفته البشرية في جاهليتها القديمة، أو جاهليتها الحديثة، في أية بقعة من بقع الأرض.
إنه نظام يراعي معنى التكافل العائلي، كاملا، ويوزع الأنصبة على قدر واجب كل فرد في الأسرة في هذا التكافل، فعصبة الميت هم أولى من يرثه –بعد أصحاب الفروض كالوالد والوالدة- لأنهم هم كذلك أقرب من يتكفل به، ومن يؤدي عنه في الديانات والمغارم، فهو نظام متناسق، ومتكامل.
وهو نظام يراعي أصل تكوين الأسرة البشرية من نفس واحدة فلا يحرم امرأة ولا صغيرا لمجرد أنه امرأة أو صغير، ولا يميز جنسا على جنس إلا بقدر أعبائه في التكافل العائلي الاجتماعي.
وهو نظام يراعي طبيعة الفطرة الحية بصفة عامة، وفطرة الإنسان بصفة خاصة، فيقدم الذرية في الإرث على الأصول، وعلى بقية القرابة، لأن الجيل الناشئ هو أداة الامتداد وحفظ النوع، فهو أولى بالرعية –من وجهة نظر الفطرة الحية- ومع هذا فلم يحرم الأصول وبقية القرابات؛ بل جعل لكل نصيبه مع مراعاة منطق الفطرة الأصيل.
وهو نظام يتمشى مع طبيعة الفطرة كذلك في تلبية رغبة الكائن الحي –بخاصة الإنسان- في أن لا تنقطع صلته بنسله، وأن يمتد في هذا النسل، ومن ثم هذا النظام الذي يلبي هذه الرغبة، ويطمئن الإنسان الذي بذل جهده في ادخار شيء من ثمرة عمله، إلى أن نسله لن يحرم من ثمرة هذا العمل، وأن جهده سيرثه أهله من بعد. مما يدعوه إلى مضاعفة الجهد، ومما يضمن للأمة النفع والفائدة –في مجموعها- من هذا الجهد المضاعف مع عدم الإخلال بمبدأ التكافل الاجتماعي العام الصريح القوي في هذا النظام.


الصفحة التالية
Icon