إن الإسلام لا يكتفي بأن يترك لهم حريتهم الدينية ثم يعتزلهم فيصبحوا في المجتمع الإسلامي مجفوين معزولين-أو منبوذين- إنما يشملهم بشيء من المشاركة الاجتماعية، والمجاملة ولخلطة فيجعل طعامهم حلا للمسلمين وطعام المسلمين حلا لهم كذلك ليتم التزاور والتضايف والمؤاكلة والمشاربة.
وكذلك يجعل العفيفات من نسائهم –وهن المحصنات- بمعنى العفيفات الحرائر طيبات للمسلمين، ويقرن ذكرهن بذكر الحرائر العفيفات من المسلمات، وهي سماحة لم يشعر بها إلا اتباع الإسلام من بين سائر اتباع الديانات والنحل، فإن الكاثوليكي المسيحي ليتحرج من نكاح الأرثوذكسية، أو البروتستانتية، أو المارونية المسيحية، ولا يقدم على ذلك إلا المحللون عندهم من العقيدة! وشرط حل المحصنات هو شرط المحصنات المؤمنات: (إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ).
ذلك أن تؤدي المهور، بقصد النكاح الشرعي، الذي يحصن به الرجل امرأته ويصونها، لا أن يكون هذا المال طريقا إلى السفاح أو المخادنة.
والسفاح هو أن تكون المرأة لأي رجل؛ والمخادنة أن تكون المرأة لخدين خاص بغير زواج... وهذا وذاك كانا معروفين في الجاهلية العربية، ومعترفا بهما في المجتمع الجاهلي قبل ظهور الإسلام.
وهكذا يتضح لنا وسطية القرآن في التشريع في كلياته وجزئيات ولا يخلو أي تشريع في القرآن الكريم من ملامح الوسطية من حكمة أو استقامة أو اعتدال أو عدل أو هداية إلى الصراط المستقيم.
المبحث التاسع
من وسطية القرآن في التشريع مراعاة سنة التدرج


الصفحة التالية
Icon