فأما الخمر والميسر فقد كان الأمر أمر عادة وإلف، والعادة تحتاج إلى علاج، فبدأ بتحريك الوجدان الديني المنطقي التشريعي في نفوس المسلمين، بأن الإثم في الخمر والميسر أكبر من النفع، وفي هذا إيحاء بأن تركهما هو الأولى ثم جاءت الخطوة الثانية بآية سورة النساء: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) [النساء: ٤٣].
والصلاة في خمسة أوقات، معظمها متقارب، ولا يكفي ما بينهما للسكر، والإفاقة! وفي هذا تضييق لفرص المزاولة العملية لعادة الشرب، وكسر لعادة الإدمان التي تتعلق بمواعيد التعاطي، إذ المعروف أن المدمن يشعر بالحاجة إلى ما أدمن عليه من مسكر أو مخدر في الموعد الذي اعتاد تناوله، فإذا تجاوز هذا الوقت وتكرر هذا التجاوز فترة حدة العادة وأمكن التغلب عليها... حتى إذا تمت هاتان الخطوتان جاء النهي الجازم الأخير بتحريم الخمر والميسر(١): (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنصَابُ وَالأزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة: ٩٠].
ولعل رعاية الإسلام للتدرج، هي التي جعلته يقضي على نظام الرق الذي كان نظاما سائدا في العالم كله عند ظهور الإسلام وكان إلغاؤه يؤدي إلى هزة عنيفة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية فكانت الحكمة في تضييق روافده؛ بل ردمها كلها ما وجد إلى ذلك سبيل، وتوسيع مصارفه إلى أقصى حد، فيكون ذلك بمثابة إلغاء الرق بطريق التدرج وهذه السنة الربانية في رعاية التدرج واضحة في كتاب الله دالة على وسطية القرآن ومعلم من معالم الحكمة والاعتدال، في تشريعات العليم الحكيم.

(١) في ظلال القرآن (١/٢٢٩).


الصفحة التالية
Icon