ولذلك يجب على الدعاة أن يراعوا سنة التدرج في سياسة الناس فعندما يراد تطبيق نظام الإسلام في الحياة، وإعادة حياة في ظل شرع الله متكاملة من جميع النواحي، فلا نتوهم أن ذلك يتحقق بجرة قلم، أو بقرار من رئيس الدولة، أو مجلس قيادة، أو برلمان.
إنما يتحقق ذلك بطريق التدرج، المبني على تصور صحيح واعتقاد سليم، نراعي الإعداد والتهيئة الفكرية والنفسية والأخلاقية والاجتماعية، وهو نفس المنهاج الذي سلكه النبي -صلى الله عليه وسلم- لتغيير الحياة الجاهلية إلى حياة إسلامية، فقد ظل ثلاثة عشر عاما في مكة، كانت مهمته فيها تنحصر في تربية الجيل المؤمن الذي يستطيع فيما بعد أن يحمل عبء الدعوة، وتكاليف الجهاد لحمايتها ونشرها في الآفاق(١).
ثانيا: التدرج في تحريم الربا:
لقد كان من حكمة الله في تحريم الربا، كما هو الشأن في تشريعاته: (التدرج في التحريم والانتقال من التعريض والتلويح إلى النص الصريح، ومن النهي الجزئي إلى النهي الكلي الحاسم)(٢).
وإليك البيان: لقد تناول القرآن الحديث عن الربا في أربعة مواضع، وكان أول موضع منها وحيا مكيا والثلاثة الباقية وحيا مدنيا.
الموضع الأول: يقول –سبحانه وتعالى-: (وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلاَ يَرْبُو عِنْدَ اللهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) [الروم: ٣٩].
الآية كما ترى موعظة سلبية فقد قالت: إن الربا لا ثواب له عند الله، ولكن تقل إن الله ادخر لآكله والمتعامل به عقابا بخلاف الزكاة، فهلا ثوابها المضاعف عند الله، وفي هذا إيماء إلى أن الربا غير مقبول عند الله(٣).

(١) انظر: الخصائص العامة للإسلام (١٨٢).
(٢) حلول لمشكلة الربا، د. محمد محمد أبو شبهة (٢٨).
(٣) انظر: حلول لمشكلة الربا (٢٨).


الصفحة التالية
Icon