الموضع الثاني: كان درسا وعبره قصهما علينا القرآن من سيرة اليهود الذين حرم الله عليهم الربا فأكلوه، فعاقبهم الله بمعصيتهم، ومن الواضح أن هذه العبرة لا تقع موقعها إلا إذ كان من ورائها ضرب من تحريم الربا على المسلمين، ولكن إلى الآن تحريم بالتعريض، لا بالنص الصريح قال عز شأنه: (فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) [النساء: ١٦٠-١٦١]، وفي هذا الموضع نص القرآن على أن الربا كان محرما في الديانة الموسوية التي هي أوسع الشرائع السابقة وأكثرها عناية بالتشريعات وهذا النص من شأنه أن يدع المسلمين في موقف ترقب وانتظار لنهي يوجه إليهم قصدًا في هذا الشأن(١).
الموضع الثالث: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدِّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [آل عمران: ١٣٠-١٣٢]، وفي هذا الموضع جاء النهي الصريح عن الربا بعد التمهيدين السابقين في الموضعين؛ ولكنه لم يكن إلا نهيا جزئيا عن الربا الفاحش الذي يتزايد حتى يصير أضعافا مضاعفة، وبهذا النهي عن الربا الفاحش تهيأت النفوس وأصبحت مستعدة لتقبل النهي العام الشامل لكل أنواع الربا قل أم كثر، وهذا هو ما ورد في الآيات التي ختم بها التشريع في الربا.

(١) انظر: المرجع السابق، ص (٢٩).


الصفحة التالية
Icon