﴿وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ﴾ : مجزوم عطفاً على تلبسوا، والمعنى: النهي عن كل واحد من الفعلين، كما قالوا: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، بالجزم نهياً عن كل واحد من الفعلين، وجوزوا أن يكون منصوباً على إضمار أن، وهو عند البصريين عطف على مصدر متوهم، ويسمى عند الكوفيين النصب على الصرف. والجرمي يرى أن النصب بنفس الواو، وهذا مذكور في علم النحو. وما جوزوه ليس بظاهر، لأنه إذ ذاك يكون النهي منسحباً على الجمع بين الفعلين، كما إذا قلت: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، معناه: النهي عن الجمع بينهما، ويكون بالمفهوم يدل على جواز الالتباس بواحد منهما، وذلك منهي عنه، فلذلك رجح الجزم.
وقرأ عبد الله: ﴿وتكتمون الحق﴾، وخرج على أنها جملة في موضع الحال، وقدره الزمخشري: كاتمين، وهو تقدير معنى لا تقدير إعراب، لأن الجملة المثبتة المصدّرة بمضارع، إذا وقعت حالاً لا تدخل عليها الواو، والتقدير الإعرابي هو أن تضمر قبل المضارع هنا مبتدأ تقديره: وأنتم تكتمون الحق، ولا يظهر تخريج هذه القراءة على الحال، لأن الحال قيد في الجملة السابقة، وهم قد نهوا عن لبس الحق بالباطل، على كل حال فلا يناسب ذلك التقييد بالحال إلا أن تكون الحال لازمة، وذلك أن يقال: لا يقع لبس الحق بالباطل إلا ويكون الحق مكتوماً، ويمكن تخريج هذه القراءة على وجه آخر، وهو أن يكون الله قد نعى عليهم كتمهم الحق مع علمهم أنه حق، فتكون الجملة الخبرية عطفت على جملة النهي، على من يرى جواز ذلك، وهو سيبويه وجماعة، ولا يشترط التناسب في عطف الجمل، وكلا التخريجين تخريج شذوذ.
﴿وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ جملة حالية، ومفعول تعلمون محذوف اقتصاراً، وقال ابن عطية: وأنتم تعلمون، جملة في موضع الحال ولم يشهد تعالى لهم بعلم، وإنما نهاهم عن كتمان ما علموا، انتهى.