﴿وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَنَ﴾ : والجملة من قوله: واتبعوا، معطوفة على جميع الجملة السابقة من قوله: ولما جاءهم إلى آخرها.
وما موصولة، صلتها ﴿تتلو﴾، وهو مضارع في معنى الماضي، أي ما تلت. وقال الكوفيون: المعنى: ما كانت تتلو، لا يريدون أن صلة ما محذوفة، وهي كانت وتتلو، في موضع الخبر، وإنما يريدون أن المضارع وقع موقع الماضي، كما أنك إذا قلت: كان زيد يقوم، هو إخبار بقيام زيد، وهو ماض لدلالة كان عليه.
﴿وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ﴾ واستعمال لكن هنا حسن، لأنها بين نفي وإثبات. وقرىء: ولكنّ بالتشديد، فيجب إعمالها، وهي قراءة نافع وعاصم وابن كثير وأبي عمرو. وقرىء: بتخفيف النون ورفع ما بعدها بالابتداء والخبر، وهي قراءة ابن عامر وحمزة والكسائي. وإذا خففت، فهل يجوز إعمالها؟ مسألة خلاف الجمهور: على المنع ونقل أبو القاسم بن الرماك عن يونس جواز إعمالها، ونقل ذلك غيره عن الأخفش، والصحيح المنع. وقال الكسائي والفراء: الاختيار، التشديد إذا كان قبلها واو، والتخفيف إذا لم يكن معها واو، وذلك لأنها مخففة تكون عاطفة ولا تحتاج إلى واو معها. كبل: فإذا كانت قبلها واو لم تشبه بل، لأن بل لا تدخل عليها الواو، فإذا كانت لكن مشدّدة عملت عمل إن، ولم تكن عاطفة. انتهى الكلام. وهذا كله على تسليم أن لكن تكون عاطفة، وهي مسألة خلاف الجمهور على أن لكنّ تكون عاطفة. وذهب يونس إلى أنها ليست من حروف العطف، وهو الصحيح لأنه لا يحفظ ذلك من لسان العرب، بل إذا جاء بعدها ما يوهم العطف، كانت مقرونة بالواو كقوله تعالى: ﴿ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله﴾ (الأحزاب: ٤٠). وأما إذا جاءت بعدها الجملة، فتارة تكون بالواو، وتارة لا يكون معها الواو، كما قال زهير:
إن ابن ورقاء لا تخشى بوادره
لكن وقائعه في الحرب تنتظر


الصفحة التالية
Icon