﴿وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ﴾ : إن قدرت هذه الجملة معطوفة على ما قبلها من الصلتين، احتاجت إلى ضمير يعود على الموصول، لأن الضمير في فيها عائد على الأرض وتقديره: وبث فيها من كل دابة. لكن حذف هذا الضمير، إذا كان مجروراً بالحرف، له شرط، وهو أن يدخل على الموصول، أو الموصوف بالموصول، أو المضاف إلى الموصول حرف جر، مثل ما دخل على الضمير لفظاً ومعنى، وأن يتحد ما تعلق به الحرفان لفظاً ومعنى، وأن لا يكون ذلك المجرور العائد على الموصول وجاره في موضع رفع، وأن لا يكون محصوراً، ولا في معنى المحصور، وأن يكون متعيناً للربط. وهذا الشرط مفقود هنا. قال الزمخشري: فإن قلت قوله: ﴿وبث فيها﴾، عطف على أنزل أم أحيا؟ قلت: الظاهر أنه عطف على أنزل داخل تحت حكم الصلة، لأن قوله: ﴿فأحيا به الأرض﴾ عطف على أنزل، فاتصل به وصارا جميعاً كالشيء الواحد، وكأنه قيل: وما أنزل في الأرض من ماء وبث فيها من كل دابة. ويجوز عطفه على أحيا على معنى فأحيا بالمطر الأرض وبث فيها من كل دابة، لأنهم ينمون بالخصب ويعيشون بالحياة. انتهى كلامه، ولا طائل تحته. وكيفما قدّرت من تقديرية، لزم أن يكون في قوله: ﴿وبث فيها من كل دابة﴾ ضمير يعود على الموصول، سواء أعطفته على أنزل، أو على فأحيا، لأن كلتا الجملتين في صلة الموصول. والذي يتخرّج على الآية، أنها على حذف موصول لفهم المعنى معطوف على ما من قوله: ﴿وما أنزل﴾، التقدير: وما بث فيها من كل دابة، فيكون ذلك أعظم في الآيات، لأن ما بث تعالى في الأرض من كل دابة فيه آيات عظيمة في أشكالها وصفاتها وأحوالها وانتقالاتها ومضارها ومنافعها وعجائبها، وما أودع في كل شكل، شكل منها من الأسرار العجيبة ولطائف الصنعة الغريبة، وذلك من الفيل إلى الذرة، وما أوجد تعالى في البحر من عجائب المخلوقات المباينة لأشكال البر. فمثل هذا ينبغي إفراده بالذكر، لا أنه يجعل منسوقاً في ضمن شيء آخر وحذف الموصول الاسمي، غير أن


الصفحة التالية
Icon