والجملة من قوله: ﴿أعدت للكافرين﴾ في موضع الحال من النار، والعامل فيها: فاتقوا، قاله أبو البقاء، وفي ذلك نظر، لأن جعله الجملة حالاً يصير المعنى: فاتقوا النار في حال إعدادها للكافرين، وهي معدّة للكافرين، اتقوا النار أو لم يتقوها، فتكون إذ ذاك حالاً لازمة. والأصل في الحال التي ليست للتأكيد أن تكون منتقلة، والأولى عندي أن تكون الجملة لا موضع لها من الإعراب، وكأنها سؤال جواب مقدّر كأنه لما وصفت بأن وقودها الناس والحجارة قيل: لمن أعدت؟ فقيل: أعدت للكافرين.
﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّلِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَرُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِى رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَبِهاً وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَلِدُونَ﴾.
تحت: ظرف مكان لا يتصرف فيه بغير من، نص على ذلك أبو الحسن. قال العرب: تقول تحتك رجلاك، لا يختلفون في نصب التحت.
والجملة في قوله: وبشر معطوفة على ما قبلها، وليس الذي اعتمد بالعطف هو الأمر حتى يطلب مشاكل من أمر أو نهي بعطف عليه، إنما المعتمد بالعطف هو جملة وصف ثواب المؤمنين، فهي معطوفة على جملة وصف عقاب الكافرين، كما تقول: زيد يعاقب بالقيد والإزهاق، وبشر عمراً بالعفو والإطلاق، قال هذا الزمخشري وتبعه أبو البقاء فقال: الواو في وبشر عطف بها جملة ثواب المؤمنين على جملة عقاب الكافرين، انتهى كلامه.
أن يكون وبشر في موضع الحال، فالأصح أن تكون جملة معطوفة على ما قبلها، وإن لم تتفق معاني الجمل، كما ذهب إليه سيبويه وهو الصحيح، وقد استدل لذلك بقول الشاعر:
تناغى غزالاً عند باب ابن عامر
وكحل مآقيك الحسان بإثمد
وبقول امرىء القيس:
وإن شفائي عبرة إن سفحتها
وهل عند رسم دارس من معوّل


الصفحة التالية
Icon