، بل نؤمن به إيمانا كما نطق القرآن، وإن لهم فيها كأسا مملوءة بالمشتهى من المشروبات والمستلذ من الطيبات، وهم لا يسمعون لغوا ولا كذابا، وقد جزاهم اللّه على أعمالهم جزاء، قد تفضل به وأحسن، جزاء من صاحب الفضل والنعمة رب السموات والأرض، وكان جزاء كفاء لما قدموا (١)
التفسير والبيان :
يخبر اللّه تعالى عن السعداء وما أعد لهم من الكرامة والنعيم المقيم، فيقول : إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً، حَدائِقَ وَأَعْناباً، وَكَواعِبَ أَتْراباً، وَكَأْساً دِهاقاً أي إن للذين اتقوا ربهم بالعمل بأوامره واجتناب نواهيه فوزا وظفرا بالمطلوب، ونجاة من النار، بالاستمتاع بالبساتين ذات الأشجار والأثمار والأعناب اللذيذة الطعم، وبالنساء الحور الكواعب ذوات الأثداء القائمة على صدورهن لم تتكسر ولم تتدلّ، المتساويات في السن، وبتناول الكؤوس المترعة المملوءة بالخمر غير المسكرة.
وعطف الأعناب على الحدائق من عطف الخاص على العام، الذي يدل على تعظيم حال تلك الأعناب. وفسر ابن عباس مَفازاً بقوله : متنزها، ورجحه ابن كثير لأنه تعالى قال بعده : حَدائِقَ والحدائق : البساتين من النخيل وغيرها.
لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً أي لا يسمعون في الجنة الباطل من الكلام، ولا يكذب بعضهم بعضا كقوله تعالى : لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ [الطور ٥٢/ ٢٣]، وهذا دليل على نظافة البيئة وسموها الأدبي، مما ترتاح له النفوس، خلافا لحال الدنيا حيث يسمع فيها الإنسان المؤمن ما يجرح الشعور ويؤلم النفس، فليس في الجنة كلام لاغ ساقط عار عن الفائدة، ولا إثم كذب، بل هي دار السلام، وكل ما فيها سالم من النقص.
جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً أي جازاهم اللّه تعالى على إيمانهم وصالح أعمالهم، وأعطاهم ذلك عطاء تفضلا منه وإحسانا، كافيا وافيا شاملا كثيرا، حسبما وعدهم به من مضاعفة أجر الحسنات وتكفير السيئات.
ومضات :
في هذه الآيات وصف لمصير المتّقين في ذلك اليوم للمقابلة مع وصف. مصير الكفار فلهم النجاة والفوز وسينزلون الجنات فيتمتعون بها بالفواكه والأعناب والنساء الكواعب والكؤوس اللذيذة. ولا يؤذي آذانهم لغو ولا كذب. وكل هذا جزاء لهم من اللّه وتوفية لحسابهم على ما قدموه من صالح الأعمال.

(١) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٨١٣)


الصفحة التالية
Icon