والآيات متّصلة بسابقاتها كذلك. وقد استهدفت فيما استهدفته من الوصف المبهج الترغيب والتبشير وبعث الاغتباط والطمأنينة في قلوب المؤمنين.
ويلفت النظر بخاصة إلى جملة جَزاءً وِفاقاً في الآيات السابقة وجملة جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً في هذه الآيات حيث تضمنتا تقريرا صريحا بأن ما يناله الناس من عقاب وثواب إنما هو جزاء لأعمالهم وكسبهم الاختياري. (١)
قوله تعالى :« إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً حَدائِقَ وَأَعْناباً وَكَواعِبَ أَتْراباً وَكَأْساً دِهاقاً » هو وصف لما يتلقى المتقون من ربهم، من فضل وإحسان، فى مواجهة ما لقى للكذبون الضالون من عذاب ونكال.
فالمتقون لهم عند ربهم « مفاز » أي لهم مدخل إلى جناته ورضوانه، وإلى ما فى هذه الجنات من ثمار طيبة.. منها العنب، وقد خصّ العنب بالذكر، لأنه كما يبدو ـ فى الحياة الدنيا ـ طيب الثمر، دانى القطوف، ممتد الظل..
ـ وفى هذه الجنة « كواعب » جمع كاعب، وهى الفتاة التي نهد ثدياها، وذلك فى أول شبابها، وهؤلاء الكواعب « أتراب » أي متما ثلات فى الخلقة، حسنا، وبهاء، وشبابا.. وهذا يعنى أنهن خلقن على صورة من الكمال ليس بعدها غاية، حتى يقع تقاوت فيها.. وفى هذه الجنة كئوس « دهاق » مترعة ملأى، لا تفرغ أبدا. مما فيها من خمر لذة للشاربين.
قوله تعالى.«لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً » أي ومن نعيم أهل الجنة ألّا يدخل على نفوسهم شىء مما يكدر صفاءها، من لغو القول، وهجره، وفحشه.. « وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ، وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ »(١٠ : يونس)
قوله تعالى :«جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً ». أي هذا النعيم الذي يساق إلى المتقين فى جنات النعيم، هو جزاء لهم من ربهم، على ما عملوا من صالح، وما أحسنوا من عمل.
وقوله تعالى :« عَطاءً حِساباً » إشارة إلى أن هذا الجزاء الذي يجزيهم به ربهم، ليس على قدر أعمالهم، فإن أعمالهم ـ مهما عظمت ـ لا تزن مثقال ذرة لمن هذا النعيم، وإنما ذلك عطاء من ربهم، وفضل من فضله، وإحسان من إحسانه.. أما أعمالهم الصالحة، فليست إلا وسيلة يتوسلون بها إلى مرضاة اللّه سبحانه وتعالى، فإذا رضى اللّه عنهم أرضاهم، وأجزل العطاء لهم..

(١) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٥ / ٤٠٧)


الصفحة التالية
Icon