لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ - : اكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ، ثُمَّ قَامَ الْعَبَّاسُ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ إِلاَّ الإِذْخِرَ، فَإِنَّا نَجْعَلُهُ فِي قُبُورِنَا، وَفِي بُيُوتِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ - : إِلاَّ الإِذْخِرَ. (١)
ومضات :
قال أبو السعود : الخطاب لرسول الله - ﷺ - والهمزة لتقرير رؤيته - ﷺ - بإنكار عدمها. والرؤية علمية، أي : ألم تعلم علماً رصيناً متاخماً للمشاهدة والعيان، باستماع الأخبار المتواترة، ومعاينة الآثار الظاهرة. وتعليق الرؤية بكيفية فعله عز وجل لا بنفسه، بأن يقال : ألم تر ما فعل ربك إلخ ؛ لتهويل الحادثة والإيذان بوقوعها على كيفية هائلة وهيئة عجيبة دالة على عظم قدرة الله تعالى وكمال علمه وحكمته وعزة بيته وشرف رسول الله - ﷺ -.
فإن ذلك من الإرهاصات ؛ لما روي أن القصة وقعت في السنة التي ولد فيها النبي - ﷺ -، كما سنأثره.
قال الرازي : اعلم أن الكيد هو إرادة مضرة بالغير على الخفية. إن قيل : لِششم سماهُ كيداً وأمرهُ كان ظاهراً، فإنهُ كان يصرح أنهُ يهدم البيت ؟ قلنا : نعم، لكن الذي كان في قلبه شر مما أظهر ؛ لأنه كان يضمر الحسد للعرب، وكان يريد صرف الشرف الحاصل لهم بسبب الكعبة، منهم ومن بلدهم، إلى نفسه وإلى بلدته ﴿ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ ﴾ أي : طوائف متفرقة، يتبع بعضها بعضاً من نواح شتى، و أبابيل جمع لا واحد له، على ما حكاه أبو عبيدة والفراء. وزعم أبو جعفر الرؤاسي - وكان ثقة - أنه سمع واحدها إبالة، بكسر الهمزة وتشديد الموحدة. وهي حزمة الحطب، استعير لجماعة الطير. وحكى الكسائي عن بعض النحويين في مفردها أبول، وعن آخرين : أبيل، سماعاً كما أثره ابن جرير. والتنكير في ﴿ طَيْراً ﴾ إما للتحقير، فإنه مهما كان أحقر كان صنع الله أعجب وأكبر، أو للتفخيم، كأنه يقول : وأي طير ترمي بحجارة صغيرة فلا تخطئ المقتل، أفاده الرازي.
تنبيهات :
الأول : كان السبب الذي من أجله حلَّت عقوبة الله تعالى لأصحاب الفيل، مسير أبرهة الحبشي بجنده مع الفيل على بيت الله الحرام لتخريبه. وواقعة الفيل في ذاتها معروفة متواترة الرواية، حتى إنهم جعلوها مبدأ تاريخ يحددون به أوقات الحوادث......
التنبيه الثاني : إنما أضيف أمر القصة إلى الفيل واشتهرت به ؛ لاصطحابهم الفيل معهم للبطش والتخريب، فإنه لو تم لقائديه كيدهم، لكان الفيل يدهم العاملة وسهمهم النافذ ؛ وذلك أن جبابرة البلاد التي يوجد فيها الفيل يتخذونه آلة بطش وانتقام، فإذا غضبوا على محارب أسروه، أو

(١) - صحيح ابن حبان - (٩ / ٢٨) (٣٧١٥) صحيح


الصفحة التالية
Icon