وزير أوثقوه، أو بلد ونازلوا حصنه أرسلوا على دار المغضوب عليه أو حصنه الفيل، فنطح برأسه ونابه الصرح فيدكه، وقواعد البنيان فيهدمها ؛ فيكون أمضى من معاول وفؤوس، وأعظم رعباً ورهبة في النفوس، وربما ألقوا المسخوط عليه بين يديه، فأعمل فيه نابه، ولف عليه خرطومه وشاله، ومثَّل به تمثيلاً كان أشد بطشاً وتنكيلاً. وقد حدثني بغرائب هذه الفظائع الجاهلية بعض آل ملوك الأفغان لما أقام مدة بالشام.
الثالث : قال القاشانيّ : قصة أصحاب الفيل مشهورة، وواقعتهم قريبة من عهد الرسول - ﷺ - وهي إحدى آيات الله، وأثر من سخطه على من اجترأ عليه بهتك حرمه، وإلهام الطيور والوحوش أقرب من إلهام الْإِنْسَاْن لكون نفوسهم ساذجة. وتأثير الأحجار بخاصية أودعها الله تعالى فيها ليس بمستنكر. ومن اطلع على عالم القدرة، وكشف له حجاب الحكمة، عرف لمية أمثال هذه.
قال : وقد وقع في زماننا مثلها من استيلاء الفأر على مدينة أبيورد وإفساد زروعهم ورجوعها في البرية إلى شط جيحون، وأخذ كل واحدة منها خشبة من الأيكة التي على شط نهرها وركوبها عليها وعبورها بها من النهر.
الرابع : قال الإمام الماوردي في " أعلام النبوة " : آيات الملك باهرة، وشواهد النبوات قاهرة، تشهد مباديها بالعواقب فلا يلتبس بها كذب بصدق، ولا منتحل بمحق، وبحسب قوتها وانتشارها يكون بشائرها وإنذارها. ولما دنا مولد رسول الله - ﷺ - تقاطرت آيات نبوته وظهرت آيات بركته، فكان من أعظمها شأناً، وأظهرها برهاناً، وأشهرها عياناً وبياناً أصحاب الفيل، أنقذهم النجاشي من أرض الحبشة في جمهور جيشه على مكة لقتل رجالها وسبي ذراريها وهدم الكعبة. وآية الرسول في قصة الفيل أنه كان في زمانها حملاً في بطن أمه بمكة ؛ لأنه ولد بعد خمسين يوماً من الفيل، فكانت آيته في ذلك من وجهين :
أحدهما : أنهم لو ظفروا لسبوا واسترقوا ؛ فأهلكهم الله تعالى لصيانة رسوله أن يجري عليه السبي حملاً ووليداً. والثاني : أنه لم يكن لقريش من التأله ما يستحقون به دفع أصحاب الفيل عنهم، وما هم أهل كتاب لأنهم كانوا بين عابد صنم أو متدين وثن أو قائل بالزندقة أو مانع من الرجعة، ولكن لما أراده الله تعالى من ظهور الإسلام تأسيساً للنبوة وتعظيماً للكعبة، وأن يجعلها قبلة للصلاة ومنسكاً للحج.
فإن قيل : فكيف منع عن الكعبة قبله مصيرها قبلة ومنسكاً، ولم يمنع الحَجَّاج من هدمها وقد صارت قبلة ومنسكاً حتى أحرقها ونصب المنجنيق عليها ؟
قيل : فعل الحَجاج كان بعد استقرار الدِّين، فاستغنى عن آيات تأسيسه، وأصحاب الفيل كانوا قبل ظهور النبوة فجعل المنع منها آية لتأسيس البنوة ومجيء الرسالة، على أن الرسول < قد