٢- هذه السورة شديدة الاتصال بما قبلها، لتعلق الجار والمجرور في أولها بآخر السورة المتقدمة : لِإِيلافِ قُرَيْشٍ.. أي لإلف قريش أي أهلك اللَّه أصحاب الفيل، لتبقى قريش، ولذا كانتا في مصحف أبيّ سورة واحدة. ولكن في المصحف الإمام فصلت هذه السورة عن التي قبلها، وكتب بينهما : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. (١)
وقال الخطيب :
" أشارت سورة « الفيل » إلى هذه المنّة العظيمة التي امتن بها اللّه سبحانه وتعالى على « قريش » إذ دفع عن بلدهم الحرام، وعن بيته الحرام هذا المكروه، وردّ عنهم هذا البلاء، وأخذ المعتدى على حرمة هذا البيت أخذ عزيز مقتدر.. وبهذا وجدت قريش فى هذا البلد أمنها، ووجدت فى جوار البيت الحرام حماها، وصار لها فى قلوب العرب مكانة عالية، وقدر عظيم، لا يستطيع أحد أن يحدّث نفسه بسوء ينال به أحدا من أهل هذا البلد الحرام، وقد رأى ما صنع اللّه بمن أراد به أو بأهله سوءا..
وجاءت سورة « قريش » بعد هذا، وكأنها تعقيب على حادثة الفيل، ونتيجة لازمة من نتائج هذه الحادثة.. ولهذا وصل كثير من العلماء هذه السورة بسورة الفيل، وجعل اللام فى قوله تعالى :« لِإِيلافِ قُرَيْشٍ » لام تعليل، متعلقا بقوله تعالى « فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ».
. أي جعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش.. كما سنرى ذلك بعد.. " (٢)
ما اشتملت عليه السورة :
تحدثت هذه السورة عن نعم الله الجليلة على أهل مكة، حيث كانت لهم رحلتان : رحلة في الشتاء إلى اليمن، ورحلة في الصيف إلى الشام من أجل التجارة، وقد اكرم الله تعالى قريشا بنعمتين عظيمتين من نعمه الكثيرة هما : نعمة الأمن والإستقرار، ونعمة الغنى واليسار [ فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف ]. (٣).
وقال ابن عاشور :" أمر قريش بتوحيد الله تعالى بالربوبية تذكيراً لهم بنعمةِ أنَّ الله مكّن لهم السير في الأرض للتجارة برحلتي الشتاء والصيف لا يخشون عادياً يعدُو عليهم.
وبأنه أمنهم من المجاعات وأمَّنهم من المخاوف لِما وقر في نفوس العرب من حرمتهم لأنهم سكان الحرَم وعُمّار الكعبة.
وبما ألهم الناس من جلب الميرة إليهم من الآفاق المجاورة كبلاد الحبشة.

(١) - انظر تفسير الشيخ المراغى ـ موافقا للمطبوع - (٣٠ / ٢٤٤)
(٢) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١٥ / ١٦٨٠)
(٣) - صفوة التفاسير ـ للصابونى - (٣ / ٥٢٦)


الصفحة التالية
Icon