العميم، وقد دعت الرسول إلى إدامة الصلاة، ونحر الهدي شكرا لله [ إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وإنحر ].
* وختمت السورة ببشارة الرسول ( - ﷺ - ) بخزي أعدائه، ووصفت مبغضيه بالذلة والحقارة، والإنقطاع من كل خير في الدنيا والآخرة، بينما ذكر الرسول مرفوع على المنائر والمنابر، واسمه الشريف على كل لسان، خالد إلى آخر الدهر والزمان [ إن شانئك هو الأبتر ]. (١)
وقال ابن عاشور :
" اشتملت على بشارة النبي ( - ﷺ - ) بأنه أُعطي الخير الكثير في الدنيا والآخرة.
وأمره بأن يشكر الله على ذلك بالإِقبال على العبادة.
وأن ذلك هو الكمال الحق لا ما يتطاول به المشركون على المسلمين بالثروة والنعمة وهم مغضوب عليهم من الله تعالى لأنهم أبغضوا رسوله، وغضب الله بتَرٌ لهم إذا كانوا بمحل السخط من الله.
وأن انقطاع الولد الذكر ليس بتراً لأن ذلك لا أثر له في كمال الإِنسان. " (٢)
في السورة بشرى وتطمئن للنبي - ﷺ - وتنديد بمبغضيه. وقد روي أنها مدنية ومضمونها وأسلوبها يلهمان مكيتها وهو ما عليه الجمهور. (٣)
هذه السورة خالصة لرسول الله - ﷺ - كسورة الضحى، وسورة الشرح. يسري عنه ربه فيها، ويعده بالخير، ويوعد أعداءه بالبتر، ويوجهه إلى طريق الشكر.
ومن ثم فهي تمثل صورة من حياة الدعوة، وحياة الداعية في أول العهد بمكة. صورة من الكيد والأذى للنبي - ﷺ - ودعوة الله التي يبشر بها؛ وصورة من رعاية الله المباشرة لعبده وللقلة المؤمنة معه؛ ومن تثبيت الله وتطمينه وجميل وعده لنبيه ومرهوب وعيده لشانئه.
كذلك تمثل حقيقة الهدى والخير والإيمان. وحقيقة الضلال والشر والكفران.. الأولى كثرة وفيض وامتداد. والثانية قلة وانحسار وانبتار. وإن ظن الغافلون غير هذا وذاك.
ورد أن سفهاء قريش ممن كانوا يتابعون الرسول - ﷺ - ودعوته بالكيد والمكر وإظهار السخرية والاستهزاء. ليصرفوا جمهرة الناس عن الاستماع للحق الذي جاءهم به من عند الله، من أمثال العاص ابن وائل، وعقبة بن أبي معيط، وأبي لهب، وأبي جهل، وغيرهم، كانوا يقولون عن النبي - ﷺ - إنه أبتر. يشيرون بهذا إلى موت الذكور من أولاده. وقال أحدهم : دعوه فإنه سيموت بلا عقب وينتهي أمره!

(١) - صفوة التفاسير ـ للصابونى - (٣ / ٥٢٩)
(٢) - التحرير والتنوير ـ الطبعة التونسية - (٣٠ / ٥٧٢)
(٣) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٢ / ١١)


الصفحة التالية
Icon