وكان هذا اللون من الكيد اللئيم الصغير يجد له في البيئة العربية التي تتكاثر بالأبناء صدى ووقعاً. وتجد هذه الوخزة الهابطة من يهش لها من أعداء رسول الله - ﷺ - وشانئيه، ولعلها أوجعت قلبه الشريف ومسته بالغم أيضاً.
ومن ثم نزلت هذه السورة تمسح على قلبه - ﷺ - بالرّوح والندى، وتقرر حقيقة الخير الباقي الممتد الذي اختاره له ربه؛ وحقيقة الانقطاع والبتر المقدر لأعدائه. (١)
فضل السورة :
عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ : قَرَأَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ :﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾ [الكوثر]. قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ - : الْكَوْثَرُ نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ يَجْرِي عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، حَافَّتَاهُ قِبَابُ الدُّرِّ، قَالَ - ﷺ - : فَضَرَبْتُ بِيَدِي فَإِذَا طِينُهُ مِسْكٌ أَذْفَرُ، وَإِذَا حَصْبَاؤُهُ اللُّؤْلُؤُ. (٢)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ - : دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا أَنَا بِنَهَرٍ حَافَّتَاهُ مِنَ اللُّؤْلُؤِ، فَضَرَبْتُ بِيَدِي مَجْرَى الْمَاءِ، فَإِذَا مِسْكٌ أَذْفَرُ، فَقُلْتُ : يَا جِبْرِيلُ، مَا هَذَا ؟ قَالَ : هَذَا الْكَوْثَرُ أَعْطَاكَهُ اللَّهُ، أَوْ أَعْطَاكَ رَبُّكَ.
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - ﷺ - قَالَ : دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا أَنَا بِنَهَرٍ يَجْرِي، بَيَاضُهُ بَيَاضُ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَحَافَّتَاهُ خِيَامُ اللُّؤْلُؤِ، فَضَرَبْتُ بِيَدِي، فَإِذَا الثَّرَى مِسْكٌ أَذْفَرُ، فَقُلْتُ لِجِبْرِيلَ : مَا هَذَا ؟ فَقَالَ : هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَهُ اللَّهُ. (٣)
سبب نزول السورة :
كان المشركون من أهل مكة والمنافقون من أهل المدينة يعيبون النبي - ﷺ - ويلمزونه بأمور :
(١) أنه إنما اتبعه الضعفاء ولم يتبعه السادة الكبراء، ولو كان ما جاء به الدين صحيحا لكان أنصاره من ذوى الرأى والمكانة بين عشائرهم، وهم ليسوا ببدع فى هذه المقالة، فقد قال قوم نوح له فيما قصه اللّه علينا :« وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ ».
وقد جرت سنة اللّه فى خلقه أن يسرع فى إجابة دعوة الرسل الضعفاء، من قبل أنهم لا يملكون مالا فيخافوا أن يضيع فى سبيل الدعوة الجديدة، ولا جاها ونفوذا فيخافوا أن يضيعا أمام الجاه الذي منحه صاحب الدعوة - وأن يتخلف عنها السادة الكبراء حتى يدخلوا فى دين اللّه وهم له كارهون، ومن ثم يظل الجدل بين أولئك الصناديد ورسل اللّه، ويأخذون فى انتقاصهم. وكيل التهم لهم تهمة بعد تهمة، واللّه ينصر رسله ويؤيدهم ويشدّ أزرهم.
(٢) - صحيح ابن حبان - (١٤ / ٣٨٩) (٦٤٧١) صحيح
(٣) - صحيح ابن حبان - (٦٤٧٢و٦٤٧٣) صحيح