ولا يملك في ذلك اليوم أحد حقّ الكلام والخطاب إلّا من أذن له الرّحمن وكان قوله عنده حقّا وصوابا. وذلك اليوم هو يوم الحقّ والقضاء العادل الحاسم، فمن أراد أن ينجو من هوله فعليه أن يجعل اتجاهه نحو اللّه وأن يسير في سبيله.
وقد انتهت الآيات بتوجيه الخطاب للسامعين : فاللّه ينذرهم بعذابه ويخوفهم من ذلك اليوم الذي سيرى فيه كل امرئ جزاء ما قدمت يداه من خير وشر ويتمنى الكافر فيه أن لو كان ترابا حسرة وندامة وفزعا من المصير الرهيب الذي سوف يصير إليه.
والآيات قوية نافذة تتضمن وصف عظمة اللّه وهيبته وتضع الناس أمام مصير واضح لا ينجو من هوله إلّا من آمن باللّه وسار في سبيله.
ولقد تعددت الأقوال التي يرويها المفسرون «١» عن بعض أصحاب رسول اللّه وتابعيهم في كلمة الروح منها ما هو غريب مثل كونها عنت بني آدم أو أرواحهم أو خلقا يخلقه اللّه مستأنفا. ومنها أنه ملك عظيم أعظم الملائكة خلقا وأعظم من السموات والجبال ومنها أنه جبريل عليه السلام.
ولقد وردت في سورة القدر جملة قرينة للجملة التي وردت فيها الكلمة هنا وهي تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ وعلقنا عليها بما يغني عن التكرار. ولقد انتهينا في التعليق إلى ترجيح كون جبريل عليه السلام وكونه عظيم الملائكة وهو ما نرجحه هنا وتلهمه روح العبارة أيضا. (١)
قوله تعالى :« رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً ». هو وصف للّه سبحانه وتعالى، المنعم بهذه النعم الجليلة.. إنها من ربّ العالمين، رب السموات والأرض وما بينهما، من رب رحمن رحيم.
وقوله تعالى :« لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً » ـ إشارة إلى أن هذا النعيم الذي ينعم به المتقون، إنما هو من رحمة الرحمن الذي أنزلهم منها هذا المنزل الكريم..
ولو ساقهم اللّه سبحانه إلى النار لما كان لهم على اللّه حجة، لأن أحدا فى موقف الحساب والجزاء لا يستطيع أن يسأل اللّه عن المصير الذي هو صائر إليه.. إنه لا يملك خطابا، ولا مراجعة.
قوله تعالى :« يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً ».. الظرف « يوم » هو قيد لهذا الوقت الذي لا يملك فيه المتقون خطابا..

(١) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٥ / ٤٠٨)


الصفحة التالية
Icon