فقوله تعالى :« لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً » مظروف بهذا الظرف، وهو وقت قيام الروح والملائكة صفّا بين يدى اللّه، فى موقف الحساب والجزاء.. وقوله تعالى :« لا يَتَكَلَّمُونَ » ـ هو بدل من قوله تعالى :« لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً ».
والروح : هى أرواح البشر، فى موقف الحساب.. ويجوز أن يكون الروح، جبريل..
فالروح ـ أي الخلائق ـ، والملائكة، لا يتكلمون فى هذا الموقف، إلا من أذن اللّه له بالكلام، وقال صوابا فيما أذن اللّه سبحانه وتعالى له به من كلام.. فإذا أنطقه اللّه يومئذ، فإنما ينطق بالحق.
قوله تعالى :« ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً ». أي ذلك اليوم، هو اليوم الحق، الذي كذّب به المكذبون، واختلف فيه المختلفون.. فمن شاء النجاة والفوز فيه، اتخذ مآبا ومرجعا إلى ربه، وعمل حسابا لهذا المرجع والمآب، وأعد لنفسه العمل الصالح لهذا اليوم..
قوله تعالى : ِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً ». أي بهذا الحديث، وبهذه الأدلة التي سيقت لكم فيه، قد جاءكم النذير أيها المكذبون بيوم القيامة، وهو نذير بالعذاب لكم فى هذا اليوم، وهو يوم قريب، وإن ظمنتموه بعيدا بعدا، تائها فى الزمن.. إنه مطلّ عليكم، ويومها ينظر المرء ما قدمت يداه، ويرى ما عمل من خير أو شر، ويومها يتمنى الكافر أن لو كان ترابا من هول ما يطلع عليه من سيئات أعماله.. وهى أمنية لا سبيل له إليها..!! (١)
يجيء المشهد الختامي في السورة، حيث يقف جبريل « عليه السلام » والملائكة صفاً بين يدي الرحمن خاشعين. لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن في الموقف المهيب الجليل :﴿ رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطاباً، يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً ﴾.. ذلك الجزاء الذي فصله في المقطع السابق : جزاء الطغاة وجزاء التقاة. هذا الجزاء ﴿ من ربك ﴾.. ﴿ رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن ﴾.. فهي المناسبة المهيأة لهذه اللمسة ولهذه الحقيقة الكبيرة. حقيقة الربوبية الواحدة التي تشمل الإنسان. كما تشمل السماوات والأرض، وتشمل الدنيا والآخرة، وتجازي على الطغيان والتقوى، وتنتهي إليها الآخرة والأولى.. ثم هو ﴿ الرحمن ﴾.. ومن رحمته ذلك الجزاء لهؤلاء وهؤلاء. حتى عذاب الطغاة ينبثق من رحمة الرحمن. ومن الرحمة أن يجد الشر جزاءه وألا يتساوى مع الخير في مصيره!

(١) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١٥ / ١٤٢٥)


الصفحة التالية
Icon