لكم دينكم وعليكم وحدكم وزره، ولى ديني الذي أدعو إليه وعلى تبعاته وأوزاره، وهاتان الجملتان لتأكيد المعنى السابق. (١)
التفسير والبيان :
هذه سورة البراءة من عمل المشركين، وهي آمرة بالإخلاص في العبادة، فقال تعالى : قُلْ : يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ، لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ أي قل أيها النبي لكفار قريش : يا أيها الكافرون، لا أعبد على الإطلاق ما تعبدون من الأصنام والأوثان، فلست أعبد آلهتكم بأية حال. والآية تشمل كل كافر على وجه الأرض. وفائدة كلمة قُلْ : أنه - ﷺ - كان مأمورا بالرفق واللين في جميع الأمور، ومخاطبة الناس بالوجه الأحسن، فلما كان الخطاب هنا غليظا أراد اللَّه رفع الحرج عنه وبيان أنه مأمور بهذا الكلام، لا أنه ذكره من عند نفسه.
وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ أي ولستم أنتم ما دمتم على شرككم وكفركم عابدين اللَّه الذي أعبد، فهو اللَّه وحده لا شريك له.
وهاتان الآيتان (٢، (٣) تدلان على الاختلاف في المعبود، فالنبي - ﷺ - يعبد اللَّه وحده، وهم يعبدون الأصنام والأوثان أو الأنداد والشفعاء، أو أن المعنى دفعا للتكرار كما ذكر الزمخشري : لا أعبد في المستقبل ما تعبدون في الحال، وعلامته لا التي هي للاستقبال، بدليل أن (لن) للاستقبال على سبيل التوكيد أو التأبيد، وأصله في رأي الخليل : لا أن. وما : للحال (٢)، وخلاصة المعنى : لا أفعل في المستقبل ما تطلبونه مني من عبادة آلهتكم، ولا أنتم فاعلون في المستقبل ما أطلب منكم من عبادة إلهي. وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ، وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ أي ولا أعبد عبادتكم، أي لا أسلكها ولا أقتدي بها، وإنما أعبد اللَّه على الوجه الذي يحبه ويرضاه، وأنتم لا تقتدون بأوامر اللَّه وشرعه في عبادته، بل قد اخترعتم شيئا من تلقاء أنفسكم، فعبادة الرسول - ﷺ - وأتباعه خالصة للَّه لا شرك فيها ولا غفلة عن المعبود، وهم يعبدون اللَّه بما شرعه، ولهذا كانت كلمة الإسلام :« لا إله إلا اللَّه، محمد رسول اللَّه » أي لا معبود إلا اللَّه، ولا طريق إليه في العبادة إلا بما جاء به الرسول - ﷺ -.
والمشركون يعبدون غير اللَّه عبادة لم يأذن اللَّه بها، فكلها شرك وإشراك، ووسائلها من صنع الهوى والشيطان.

(١) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٩١٢)
(٢) - قد فهم بعضهم خطا ما أراده الزمخشري هنا وفي الآيتين بعدهما. فقلب الوضع، وجعل الاستقبال محل الحال وبالعكس.


الصفحة التالية
Icon