كان الأولى أن تبتعد عنه، وهذا من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين فقد يكون الشيء حسنة عندك وهو عند غيرك لمم - صغير من الذنوب - يصح الاستغفار منه. وإذا جاء نصر اللّه وعونه وهو لا بد حاصل، وجاء الفتح للبلاد المغلقة والقلوب المقفلة إذا جاء هذا وذاك، ورأيت الناس يدخلون في دين اللّه جماعات كثيرة إذا حصل هذا فالواجب مقابلته بالشكر والثناء على اللّه بما هو أهله، إذا حصل هذا فسبح ربك وقدسه تقديسا، ونزهه تنزيها يليق بجنابه، سبحه حامدا له فعله الجميل ذاكرا له صفاته المناسبة وأسماءه الحسنى، واستغفر لذنبك واطلب المغفرة مما قد تكون ألممت به وهو لا يليق بك كخاتم الأنبياء والمرسلين، استغفر اللّه إنه كان توابا كثير القبول لتوبة عباده، إنه يقبل التوبة ويعفو عن السيئة، ويعلم ما نفعل، والخطاب في السورة للنبي - ﷺ - ولكل من يصلح له الخطاب.
روى أن هذه السورة كانت بمثابة نعى اللّه لنبيه، فإنه إذا حصل هذا فقد أدى محمد - ﷺ - رسالته كاملة، وإذا أداها فسيلحق بالرفيق الأعلى، ولقد فهم هذا المعنى بعض الصحابة وبكى على رسول اللّه. (١)
التفسير والبيان :
إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ أي إذا تحقق لك يا محمد نصر اللَّه وعونه وتأييده على من عاداك وهم قريش، وفتح عليك مكة، وتحققت لك الغلبة، وإعزاز أمرك، فسبّح اللَّه تعالى أي نزهه حامدا له جل وعلا زيادة في عبادته والثناء عليه لزيادة إنعامه عليك. وفائدة قوله : نَصْرُ اللَّهِ مع أن النصر لا يكون إلا من اللَّه : هو أنه نصر لا يليق إلا باللَّه، ولا يليق أن يفعله إلا اللَّه، أو لا يليق إلا بحكمته. والمراد تعظيم هذا النصر. وقوله : جاءَ نَصْرُ اللَّهِ مجاز، أي وقع نصر اللَّه.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - فَاطِمَةَ فَقَالَ :« قَدْ نُعِيَتْ إِلَىَّ نَفْسِى ». فَبَكَتْ فَقَالَ :« لاَ تَبْكِى، فَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِى لاَحِقٌ بِى ». فَضَحِكَتْ فَرَآهَا بَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبِىِّ - ﷺ - فَقُلْنَ : يَا فَاطِمَةُ رَأَيْنَاكِ بَكَيْتِ ثُمَّ ضَحِكْتِ. قَالَتْ : إِنَّهُ أَخْبَرَنِى أَنَّهُ قَدْ نُعِيَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ فَبَكَيْتُ، فَقَالَ لِى :« لاَ تَبْكِى، فَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِى لاَحِقٌ بِى ». فَضَحِكْتُ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - :« إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَجَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً، وَالإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ ». (٢)

(١) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٩١٤)
(٢) - سنن الدارمى(٨٠) صحيح


الصفحة التالية
Icon