وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا » (١).
ورَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً أي أبصرت الناس من العرب وغيرهم يدخلون في دين اللَّه الذي بعثك به، جماعات فوجا بعد فوج، بعد أن كانوا في بادئ الأمر يدخلون واحدا واحدا، واثنين اثنين، فصارت القبيلة تدخل بأسرها في الإسلام.
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ، إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً أي إذا فتحت مكة وانتشر الإسلام، فاشكر اللَّه على نعمه، بالصلاة له، وبتنزيهه عن كل ما لا يليق به، وعن أن يخلف وعده الذي وعدك به بالنصر، واقرن الحمد بالتسبيح، أي اجمع بينهما، فإن ذلك النصر والفتح يقتضي الحمد للَّه على عظيم منّته وفضله، وما منحك من الخير.
واطلب أيضا من اللَّه المغفرة لك تواضعا للَّه، واستقصارا لعملك، وتعليما لأمتك، وكذا اسأله المغفرة لمن تبعك من المؤمنين ما كان منهم من القلق والخوف لتأخر النصر، فإن اللَّه سبحانه من شأنه التوبة على المستغفرين له، يتوب عليهم ويرحمهم بقبول توبتهم، وهو كثير القبول لتوبة عباده، حتى لا ييأسوا ويرجعوا بعد الخطأ.
عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ مَا صَلَّى النَّبِىُّ - ﷺ - صَلاَةً بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) إِلاَّ يَقُولُ فِيهَا « سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى » (٢).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ : سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، فَلَمَّا نَزَلَتْ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، قَالَ : سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ " (٣)
وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ - يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي سُجُودِهِ : سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي قَالَتْ : فَكَانَ يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ. (٤)
ومضات :
﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ﴾ أي : فنزِّه ربك عن أن يهمل الحق ويدعه للباطل يأكله، وعن أن يخلف وعده في تأييده، وليكن هذا التنزيه بواسطة حمده والثناء عليه بأنه القادر الذي لا يغلبه غالب، والحكيم الذي إذا أمهل الكافرين ليمتحن قلوب المؤمنين، فلن يضيع أجر العاملين ولا يصلح عمل المفسدين. والبصير بما في قلوب المخلصين والمنافقين، فلا يذهب عليه رياء المفسدين،
(٢) - صحيح البخارى (٤٩٦٧ )
(٣) - المستدرك للحاكم (٣٩٨٣) حسن
(٤) - صحيح ابن حبان - (٥ / ٢٥٦) (١٩٣٠) صحيح