واطمئنان، وفى قطع ويقين : إن هذه السورة نزلت قبل فتح مكة، وفى أشد مواقف النبي حرجا وضيقا، وهو فى مواجهة أهل الشرك والضلال ـ فكانت مددا من أمداد السماء، وزادا من عند اللّه، يتزود به النبي وأصحابه، فيما امتحنوا به فى أنفسهم وأموالهم.. إنها طاقة من النور السماوي، فى وسط هذا الظلام الكثيف، يرى المؤمنون على ضوئها وجه المستقبل المشرق، الذي وعدهم اللّه فيه بالنصر، والفتح! وقوله تعالى :« فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً ».
والتسبيح أولا، لأنه المطلوب فى مقام الشكر، على هذه النعمة العظيمة، بالنصر والفتح.. ثم الاستغفار ثانيا، مما وقع من تقصير فى حق اللّه على مسيرة الجهاد، حتى جاء يوم النصر، والفتح..
فعلى مسيرة الجهاد، وفى أوقات الشدة والضيق، وفى مواقع الهزيمة، وفقد الأحباب والأعزاء، تتغير مواقف المجاهدين، وتحوم حول مشاعرهم خواطر تهز إيمانهم، على درجات مختلفة، حسب ما فى النفوس من إيمان، وما فى القلوب من يقين..
فالنفس البشرية ـ أيا كانت من وثاقة الإيمان باللّه ـ تعرض لها فى الشدائد والمحن، عوارض، من الخواطر، والتصورات، لا ترضاها لدينها، وإيمانها بربها فى ساعة اليسر، وفى أوقات السلام والأمن.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى :« حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا » (١١٠ : يوسف) وقوله تعالى عن النبي وأصحابه :« وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ : مَتى نَصْرُ اللَّهِ ؟ » (٢١٤ : البقرة) ويقول سبحانه عن المؤمنين فى غزوة الأحزاب :« إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا » (١٠ : الأحزاب) ـ وقد صرح المنافقون والذين فى قلوبهم مرض من المؤمنين ـ صرحوا عن ظنونهم باللّه يومئذ، فقالوا ما ذكره اللّه تعالى عنهم من قولهم :« ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً » (١٢ : الأحزاب).
فدعوة النبي إلى الاستغفار، هى دعوة له، وللمؤمنين معه ـ من باب أولى ـ إلى لقاء اللّه تعالى تائبين مستغفرين، بعد أن يتم اللّه عليهم نعمة النصر والفتح، ويبلغ بهم منزل السلامة والأمن.. وإنه ليس فى هذا الاستغفار إلا مراجعة لما وقع فى النفوس من ظنون باللّه عند بعض المؤمنين، أو ضجر من الصبر على البلاء عند بعض آخر، أو شعور بشىء من الأسى والحزن عند فريق ثالث..
وهكذا وذلك فى مسيرتهم على طريق الضرّ والأذى، إلى أن لقيهم نصر اللّه والفتح.
وقوله تعالى :« إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً » أي كثير التوبة على عباده، واسع المغفرة لذنوبهم.. وفى المبالغة فى التوبة دلالة على كثرتها، والدلالة على كثرتها، دلالة على كثرة ذنوب العباد، وما


الصفحة التالية
Icon