قلادة حلفت لتبيعنها في الإنفاق ضد رسول اللّه، فأعقبها اللّه بدلها حبلا في جيدها : حبلا محكما ليوضع في عنقها، وهي في نار جهنم، وقيل : إن المعنى على تحقيرها وتصويرها بصورة الحاطبات الممتهنات إذلالا لكبريائها هي وزوجها. (١)
التفسير والبيان :
تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ، وَتَبَّ (٢) أي هلكت يداه وخسرت وخابت، وهو مجاز عن جملته، أي هلك وخسر، وهذا دعاء عليه بالهلاك والخسران. ثم قال : وَتَبَّ أي وقد وقع فعلا هلاكه، وهذا خبر من اللَّه عنه، فقد خسر الدنيا والآخرة. وأبو لهب : عم النبي - ﷺ -، واسمه عبد العزّى بن عبد المطلب، وقد كان كثير الأذى والبغض والازدراء لرسول اللَّه - ﷺ - ولدينه.
ثم أخبر اللَّه تعالى عن حال أبي لهب في الماضي، فقال : ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ أي لم يدفع عنه يوم القيامة ما جمع من المال، ولا ما كسب من الأرباح والجاه والولد، ولم يفده ذلك في دفع ما يحل به من الهلاك، وما ينزل به من عذاب اللَّه، بسبب شدة معاداته لرسول اللَّه - ﷺ -، وصدّه الناس عن الإيمان به، فإنه كان يسير وراء النبي - ﷺ -، فإذا قال شيئا كذّبه.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ : أَخْبَرَنِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ رَبِيعَةُ بْنُ عِبَادٍ مِنْ بَنِي الدِّيلِ، وَكَانَ جَاهِلِيًّا قَالَ : رَأَيْتُ النَّبِيَّ - ﷺ - فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي سُوقِ ذِي الْمَجَازِ، وَهُوَ يَقُولُ :" يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تُفْلِحُوا ". وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ، وَوَرَاءَهُ رَجُلٌ وَضِيءُ الْوَجْهِ، أَحْوَلُ ذُو غَدِيرَتَيْنِ يَقُولُ : إِنَّهُ صَابِئٌ كَاذِبٌ يَتْبَعُهُ حَيْثُ ذَهَبَ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَذَكَرُوا لِي نَسَبَ رَسُولِ اللَّهِ - ﷺ -، وَقَالُوا لِي : هَذَا عَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ
وفي رواية عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبَّادٍ الدُّؤَلِيِّ، وَكَانَ جَاهِلِيًّا فَأَسْلَمَ، قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - ﷺ -، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ : فَقُلْتُ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ يَذْكُرُ النُّبُوَّةَ، قُلْتُ : مَنْ هَذَا الَّذِي يُكَذِّبُهُ ؟ قَالُوا : هَذَا عَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ، قَالَ أَبُو الزِّنَادِ : فَقُلْتُ لِرَبِيعَةَ بْنِ عَبَّادٍ : إِنَّكَ يَوْمَئِذٍ كُنْتَ صَغِيرًا، قَالَ : لَا وَاللَّهِ إِنِّي يَوْمَئِذٍ لَأَعْقِلُ، أَنِّي لَأَزْفِرُ الْقِرْبَةَ يَعْنِي أَحْمِلُهَا " (٣).
والفرق بين المال والكسب : أن الأول رأس المال، والثاني هو الربح.
ثم ذكر اللَّه تعالى عقابه في المستقبل، فقال : سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ أي سيذوق حرّ نار جهنم ذات اللهب المشتعل المتوقد، أو سوف يعذب في النار الملتهبة التي تحرق جلده، وهي نار
(٢) - لم يقل في أول هذه السورة قل كما في سورة الكافرين، حتى لا يشافه عمه بما يزيد في غضبه، رعاية للحرمة، وتحقيقا لمبدأ الرحمة.
(٣) - مُسْنَدُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (١٨٦٩٢ ) حسن